كانت لي آمال كبار، وأمان حسان، وكانت لي نفس مملوءة بعظائم الأمور وجلائلها، وكنت أشعر بقوة في جسمي لا يقوم لها شيء في هذا العالم، فأصبحت رجلا ضعيفا خامدا، متألما يائسا، قانطا، لا أشعر ولا أفكر، ولا آخذ ولا أدع، ولا أتجه إلى مقصد، ولا أتعلق بغرض، ولا أجلب لنفسي خيرا ولا أدفع عنها ضرا، ولا شأن لي بين الناس أكثر من جثة ملقاة لا روح فيها، أو حجر مطرح في قارعة الطريق.
ألا تخافين يا ماجدولين أن يأخذك الله بذنبي يوم يأخذ الناس بذنوبهم؟ ويسألك عن هذه النفس الطيبة الطاهرة التي قتلتها وفجعتها في جميع فضائلها ومواهبها، وأن يتبعك صوتي في كل مكان تكونين فيه، في خلواتك ومجتمعاتك، ومنامك ويقظتك، وبين ذراعي زوجك، وبجانب مهود أولادك، ويصيح بك: إنك قد قتلت رجلا لو عاش لكان أفضل مثال للأزواج الصالحين، والآباء الرحماء، والأصدقاء الأوفياء، ولكان خير الناس للناس جميعا.
ألم تعديني يا ماجدولين أن تسهري على سعادتي وتحرسيها كما تحرس الملائكة سعادة البشر وهناءهم؟ فها أنا ذا أشقى الناس جميعا، وأعظمهم بؤسا وبلاء، فأين ما وعدتني به؟
تعالي إلي وقفي أمامي ساعة واحدة لأراك وأرى في وجهك صورة سعادتي الزائلة، وآمالي الضائعة، وأسمعيني صوتك العذب الجميل الذي أسمعتنيه من قبل، وألقي علي نظرة واحدة من نظراتك العذبة الرائقة تحيي بها نفسي الميتة، وقولي لي صدقا أو كذبا إنك لا تزالين تحبينني وتعطفين علي، ثم لا تزيدي على ذلك شيئا، فقد أصبحت أقنع منك بكل شيء.
أقسم لك يا ماجدولين إنني لو رأيتك في طريقي لهرعت إليك وجثوت تحت قدميك كما يجثو العابد تحت قدمي معبوده، وسألتك البر والإحسان كما يفعل السائل المستجدي، فإن أعرضت عني زحفت وراءك على ركبتي وتعلقت بأهداب ثوبك حتى تصغي إلي وتسمعي شكاتي.
ولكن ماذا أقول لك؟ وماذا عندي من الأحاديث فأحدثك به؟ لا شيء عندي سوى أن أذرف دموعي تحت قدميك، وأمد يدي إليك صامتا ثم أضع حياتي بين يديك، فإما أحييتني أو قتلتني.
إنني أتألم كثيرا يا ماجدولين، ولا أحسب أن في العالم نفسا تحتمل ما تحتمله نفسي من الآلام والأوجاع، فارحميني واعطفي علي، فإن لم أكن كفؤا لمحبتك فامنحيني صداقتك، فإن أبيتها فاسبلي علي ستر حمايتك، فإن ضننت بها فائذني لي أن أسير وراءك في كل مكان تسيرين فيه كما يتبعك كلبك الذليل، لأراك وأسمع صوتك، وأستنشق الهواء الذي يحيط بك؛ لأني لا أستطيع أن أعيش في العالم دون أن تكون لي صلة بك.
كنت قد وضعت قبل اليوم بين يديك سعادتي وهنائي، أما الآن فقد حالت الحال، وتراجعت الآمال، وأصبحت لا أطمع في أن أضع بين يديك شيئا غير حياتي.
فهل تبقين عليها؟ (65) من استيفن إلى ماجدولين
لي الله من بائس مسكين! فقد ذبلت زهرة حياتي قبل أن تتفتح، ودبت إلي الشيخوخة وأنا لا أزال في ريعان الشباب، وانطفأ ما كان مشتعلا في قلبي من الهمة وفي رأسي من الذكاء وفي جسمي من القوة، وانقطع ما كان موصولا بيني وبين الناس جميعا، فمات أخي، وطردني أبي، وعاداني أهلي، ولم يكن باقيا لي في العالم سواك، ثم انقضى ما كان بيني وبينك فأي أرب لي في العيش من بعد ذلك؟
Halaman tidak diketahui