Majalah Bayan
مجلة البيان
Genre-genre
بقبائل السكسون وأنا لا أحفل أكان انتشار الحق بالسيف أم باللسان أم بأية آلة أخرى فلندع الحقائق ننشر سلطانها بالخطابة أو بالصحابة أو بالنار لندعها تكافح وتجاهد بأيديها وأرجلها وظافرها فإنها لن تهزم إلا ما كان يستحق أن يهزم وليس في طاقتها قط أن تفني ما هو خير منها بل ما هو أحط وأدنى فإنها حرب لاحكم فيها إلا الطبيعة ذاتها ونعم الحكم ما أعدل وما أقسط وما كان أعمق جذرًا في الحق وأذهب أعراقًا في الطبيعة فذلك هو الذي ترونه بعد الهرج والمرج والضوضاء والجلبة ناميًا زاكبًا وحده.
أقول الطبيعة أعدل حكم بلى ما أعدل وما أعقل وما أرحم وما أحلم أنك تأخذ حبوب القمح لتجعلها في بطن الأرض وربما كانت هذه الحبوب مخلوطة بقشور وتبن وقمامة وتراب وسائر أصناف الأقذاء ولكن لا بأس عليك من ذلك وألق الحبوب بجميع ما يخالطها من القذى في جوف الأرض العادلة البارة فإنها لا تعطيك إلا قمحًا خالصًا نقيًا فأما القذى فإنها تبلعه في سكون وتدفنه ولا تذكر عنه كلمة وما هي إلا برهة حتى ترى القمح زاكيًا يهتز كأنه سبائك الذهب الابريز والأرض الكريمة قد طوت كشحًا على الأقذاء واغضت بل أنها حولتها كذلك إلى أشياء نافعة ولم تشك منها شجوًا ولا نصبًا وهكذا الطبيعة في جميع شؤونها فهي حق لا باطل وهي عظيمة وعادلة ورحيمة حنون وهي لا تشترط في الشيء إلا أن يكون صادق اللباب حر الصميم فإذا كان كذلك حمته وحرسته أو كان غير ذلك لم تحمه ولم تحرسه فترى لكل شيء تحميه الطبيعة روحًا من الحق أليس شأن حبوب القمح هذه والطبيعة هو واأسفاه شأن كل حقيقة كبرى جاءت إلى هذه الدنيا أو تجيء فيما بعد؟ أعني أن الحقيقة مزيج من حق وباطل نور في ظلام وتجيئنا الحقائق في أثواب من القضايا المنطقية ونظريات علمية من الكائنات لا يمكن أن تكون تامة صحيحة صائبة ثم لا بد من أن يجيء يوم يظهر فيه نقصها وخطؤها وجورها فتموت وتذهب نعم يموت ويذهب جسم كل حقيقة ولكن الروح يبقى أبدًا ويتخذ ثوبًا أطهر وبدنا أشرف وما يزال يتنقل من الأثواب والأبدان من حسن إلى أحسن وجيد إلى أجود سنة الطبيعة التي لا تتبدل نعم إن جوهر الحقيقة الكريم حيٌ لا يموت وإنما النقطة الهامة والأمر الوحيد الذي يعرض في محكمة الطبيعة ومجلس قضائها هو هل هذا الروح حق وصوت من أعماق الطبيعة؟ وليس بهام عند الطبيعة ما نسميه نقاء الشيء أو عدم نقائه وليس هو بالسؤال النهائي ليس الأمر
2 / 19