قنطرة على ساقية، يتضرر منها المارون فسبقه كافر فبناها، فعلم رسول الله ﷺ بذلك فقال: «نية المؤمن خير من عمله» أي: من عمل الكافر، ولا يلزم منه تفضيل نية المؤمن على عمله، وإنما تفضيل عمله على عمل الكافر.
قال شيخنا العلامة جلال الدين السيوطي: وكون هذا الحديث ورد على هذا السبب باطل لا أصل له.
وذهب بعضهم إلى أن النية أفضل من العمل وقال: لأن العمل يدخله رياء بخلاف النية، ولأن النية فعل القلب، وفعل الأشرف أشرف، ولأن تخليد الله تعالى المؤمن في الجنة ليس بعمله، وإنما هو بنيته، إذ لو كان بعمله لكان خلوده فيها بقدر عمله، إلا أنه جازاه بنيته لأنه كان ناويًا أن يطيع الله أبدًا، فلما اخترمته منيته دون نيته جازاه عليها فخلده أبدًا، وكذا الكافر لو كان مجازى بعمله لم يستحق التخليد في النار إلا بقدر كفره، فلما إن نوى أن يقيم على كفره أبدًا لو بقي فجازاه على نيته، وخلده أبدًا.
فإن قلت: هل السيئة كالحسنة في أنه يعاقب عليها بمجرد النية كما يثاب على الحسنة بنيتها.
فالجواب: أن الكرماني قال: المشهور أنه لا يعاقب عليها بمجرد النية، واستدلوا بقوله تعالى؟ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ؟ [البقرة: ٢٨٦] فإن اللام للخبر، فجاء بالكسب الذي يحتاج إلى تصرف، بخلاف على فإنها لما كانت للشر جاء فيها بالاكتساب الذي لابد فيه من التصرف والمعالجة.
ثم قال الكرماني: ولكن الحق أن السيئة أيضًا يعاقب عليها، بمجرد النية لكن على النية لا على الفعل، حتى لو عزم أحد على ترك صلاة بعد عشرين سنة يأثم في الحال وإن لم يتحقق ذلك أي: ترك الصلاة، لأن العزم من أحكام الإيمان، ويعاقب على العزم لا على ترك الصلاة.
والفرق بين الحسنة والسيئة: أنه بنية الحسنة يثاب الناوي على الحسنة، وبنية السيئة لا يعاقب عليها بل على نيتها (١) .