فالجواب: أن الفهم من كلام جبريل وصوته مثل صلصله الجرس، أشكل من الفهم من كلامه وهو على صورة رجل يخاطبه ويعلمه كما يعلم الإنسان غيره، بيان ذلك أنه ﷺ كان ملكيًا بشريًا فتارة يأتيه جبريل على صورة الملك، فينسلخ ﷺ عن وصف البشرية ويتصف بصفة الملك بأن يغلب عليه الروحانية، وإنما يقع له ذلك لأجل المناسبة، فإن العادة جرت بالمناسبة بين القائل السامع، وتارة يأتيه الوحي على صفة رجل، ويتصف بصفة الرجل البشر ولا شك أن انسلاخه من طور البشر أشد عليه من بقائه عليه.
وفي صحيح مسلم «كان إذا نزل عليه الوحي نكس رأسه، ونكس أصحابه رؤوسهم، فإذا أتلي عنه رفع رأسه» (١) .
وورد في حديث «إنه كان يسمع عنده لما ينزل عليه جبريل دوي كدوي النحل» (٢) .
وروى أحمد والحاكم والترمذي من حديث عمر بن الخطاب أنه قال: كان رسول الله ﷺ إذا نزل عليه الوحي سمع عنده دوي كدوي النحل، فمكثنا ساعة ثم سري عنه فاستقبل القبلة ورفع يديه فقال: «اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا ولا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا، وارضنا وارض عنا» ثم قال: «لقد أنزل علي عشر آيات من أقامهن دخل الجنة، أي: من عمل بهن ولم يخالف ما فيهن» ثم قال:؟قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ؟ [المؤمنون: ١، ٢] قال الحاكم: صحيح الاسناد (٣) .