وأقترح أن تكون الموسيقى المستعملة في هذه المسرحية عبارة عن أصوات من الطبيعة، وتذاع في الوقت المناسب؛ موسيقى الافتتاح شريط مسجل للأصوات الكثيرة المتنافرة والمنسجمة المتصاعدة من فناء محطة مصر الداخلي. حين تفتح الستار الأولى نجد ستارة أخرى بيضاء مكتوبا عليها بالخط الكبير: «الدنيا مافيهاش فقر، إنما فيها قلة رأي»، والإمضاء: «فلاح مصري عجوز». ممكن أن يظهر إمضاؤه، أو تحتها صورة له كموتيف.
المنظر بعد ارتفاع الستارة الثانية، حجرة كبيرة في نسبها شذوذ، يتصدرها مكتب ضخم جدا قديم موجود بالناحية اليسرى، كرسيه عالي المسند مثل كراسي المقرئين في المآتم، الحجرة لها بابان أحدهما الرئيسي في الوسط، نصفه الأعلى من الزجاج المصنفر، مكتوب عليه كلمة مفتش الصحة بالمقلوب، والآخر إلى اليمين، اللوحة التقليدية لفحص النظر تحتل ركنا بارزا من الحجرة، حروفها مكرر كل حرف منها كظل ثلاث أو أربع مرات. الحائط الأيسر المجاور لمكتب المفتش تحتله كله لوحة ضخمة على نسق لوحات الدعاية الصحية، وفيها رجل يمسك بالجوزة يشربها ويحلم حلم المخدرات الذي لا نهاية له، والمجسد بطريقة تدل على بدائية الفنان الذي رسم الصورة، الحلم عبارة عن أن المدمن يتصور نفسه هارون الرشيد جالسا في ساعة لهو وحوله الجواري والراقصات والمغنيات، وبدلا من صواني الطعام والشراب هناك صينية عليها عدة الكيف، وجوزة تقوم بإمساكها جارية تسقي منها هارون الرشيد. أولاد الحشاش وزوجته عرايا مهلهلين متناثرين حوله، وزوجته على صدرها طفل رضيع تمد يدها إليه وكأنها تستحلفه، وهو يضرب يدها مشمئزا. هناك عسكري ضخم جدا هائل يمد يده، ويمسك الحشاش من ياقة جلبابه استعدادا لأخذه للسجن. في مكان واسع مناسب من الصورة جملة تقول: «احذروا المخدرات؛ فهي تخرب البيوت.»
بجوار المكتب هناك فتحة في الحائط فيها تليفون، بحيث يمكن استعماله للحجرتين معا. بقية أثاث الحجرة لا تتعدى كنبة إسطانبولي وكرسيين أسيوطي في حالة يرثى لها.
عند فتح الستار نجد جميع الأشخاص الموجودين بالمنظر ثابتين بلا حركة، وكأن المنظر صورة، وليس مشهدا حيا.
إلى المكتب يجلس المفتش وهو رجل صغير دقيق بالقياس إلى حجم المكتب، لا تستطيع أن تحدد له عمرا، من ملامحه تشع نظرة محبوبة ساحرة كتلك التي صنعت من جحا جحا، ومن أبي نواس أبا نواس.
على الناحية اليسرى منحنيا، مندفعا ناحية الدكتور وكأنما يهم بمحادثته، رجل طويل رفيع ذو قتب، يلبس بدلة السعادة وفوقها فوطة التمورجي.
أمام المكتب - وتكاد تملأ الحجرة - مجموعة من الأشخاص من مختلف الأعمار والمهن؛ بعضهم سيدات على درجات متفاوتة من الأناقة، وهم موجودون بشكل مستمر لا ينقطع إلا في المواقف الحادة، بحيث يخلو المسرح منهم، ويعودون إليه حين تنتهي حدة الموقف. وبالذات هناك أقرب ما يكون إلى المكتب؛ أفندي في الثانية والأربعين من عمره بادي الأناقة، وإن كنت تحس أن ملابسه الداخلية مثلا ليست في نظافة بدلته، صلعه خفيف وشاربه دوجلاس شديد السواد مصبوغ، هادئ، ناعم مقنع، بجواره أفندي آخر نامي الشعر مهوشه، لم يحلق منذ شهرين على الأقل، أو هكذا يدل منظر قفاه، رفيع الوجه مستطيله، حليق اللحية والشارب، على عينه اليمنى آثار كدمة سوداء، مكتف بقميص الكتاف، وحين يفك عنه يظل طول الوقت يعبث بحب شباب موهوم في وجهه، ويفتشه وكأنه يتخلص منه بعصبية.
سيدة رغم كل محاولاتها لإضفاء الاحترام والتقدير على نفسها وزينتها وتواليتها؛ إلا أنها لا تستطيع أن تخفي «المعلمة» الكامنة فيها، وكأنها عملت لفترة من حياتها صاحبة صالة أو ربما ناظرة مدرسة باليه أهلي، حواجبها وعيناها بالذات تنطق بهذا.
أفندي ثالث في الباكجراوند وإن كان سيظهر بعد وقت، هليهلي، مذعور في حالة «روشة» مستمرة، عسكري رفيع ذو كرش كالبطيخة، بندقيته رفيعة أيضا وطويلة ويستعملها كمسند لذراعه الذي يستعمله كمسند لرأسه، يقف أقرب ما يكون بجوار العسكري الذي في الصورة.
التومرجي (منحنيا ناحيته بلهجة لا دهشة فيها، ولا لهفة) :
Halaman tidak diketahui