وخبر المهدي أيضا وردا
ذا كثرة في نقله فاعتضدا
ومثل قول السيوطي:
وما رواه عدد جم يجب
إحالة اجتماعهم على الكذب ... إلخ إلخ
فلئن كان ابن خلدون قد قال: بضعف الأحاديث الواردة في المهدي إلا القليل، فإنه اعتمد في رد هذا لا على السند وحده ولكن على مخالفة المتن لحكم العقل أيضا، والظاهر أن مذهب ابن خلدون قبول خبر الواحد إذا أيده حكم العقل، ورفض الأحاديث الكثيرة إذا لم يؤيدها العقل، وهذه بعينها كانت طريقة كبار المعتزلة كالنظام وأبي الهذيل العلاف، فلهم في الحديث طريقة خاصة غير طريقة المحدثين، فالمحدثون يعتمدون في النقد والإثبات على السند وحده، أما المعتزلة وعلى رأيهم ابن خلدون فيعتمدون على نقد السند، ويحكمون العقل في المتن، ولا سيما أن كل الحسابات التي بنيت على ظهور المهدي في وقت معين، وفي مكان معين استنادا على اليازرجات والملاحم والتنبؤات، وحساب الجمل ظهر كذبها، ولم يصح منها شيء فكل حركة من حركات المهدية، سواء منها ما نجحت وما لم تنجح قد قضى عليها، إما في مهدها أو بعد قرون قصيرة أو طويلة، وما نجح منها كالفاطميين والقرامطة والحشاشين لم يملئوا الأرض عدلا كما ملئت ظلما على حساب دعواهم، بل كان مثلهم مثل غيرهم وكانوا في مدة حكمهم محتاجين هم أنفسهم إلى مهدي آخر يذهب بظلمهم، ونحن نعلم من التجارب أن الله جعل للعدل والظلم قوانين اجتماعية كالقوانين الطبيعية للأشياء، والقوانين الاجتماعية هذه ليس منها إمام مستتر يعيش مئات السنين، وهو في استتاره يحرك أتباعه ليزيلوا المظالم، إنما الطريق الطبيعي هو ظهور مصلح اجتماعي يشعر الناس بالألم من الظلم، والطموح إلى العدل، فيضطهد ويعذب ولا يزال أتباعه يكثرون، وكلما عذب أمام الناس ازدادت دعوته قبولا، حتى يقوى فيزيل المظلمة أو المظالم التي دعا إلى إزالتها، ويحل الصالح محل الفاسد.
وقد قرأت رسالة أخرى في هذا الموضوع عنوانها «الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة» لأبي الطيب بن أبي أحمد بن أبي الحسن الحسيني، ذكر فيها أيضا أقوال ابن خلدون ورد عليه، وعند أقواله زلة زلها وليست من التحقيق في شيء، واستخلص أخيرا أن المهدي يظهر في آخر الزمان، وإن إنكار ذلك جرأة عظيمة وزلة كبيرة.
وأما السنيون فعقيدتهم في المهدي أقل خطرا؛ لأنهم يعتقدون أنه من أشراط الساعة كالمسيح والدجال، وأنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين، ويظهر العدل ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى المهدي، ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة على أثره، ثم ينزل عيسى فيقتل الدجال، ثم يأتم عيسى بالمهدي إلى غير ذلك.
ولما كانت الساعة أو آخر الزمان غير معلوم الوقت كان كل خارج يدعي أنه المهدي، وأنه علامة آخر الزمان إلى غير ذلك، وقد كتب الإمام الشوكاني كتابا في صحة ذلك سماه التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح.
وأنا ممن يرى رأي ابن خلدون في ضعف هذه الأحاديث المهدوية، وفي أن من نجح من المهديين، إنما نجح لكثرة أتباعه وقوتهم، وفشل من فشل لقلة أتباعه وضعفهم، ولسنا ننصر ابن خلدون لسنيته ولا نضعف خصومه لشيعتهم.
Halaman tidak diketahui