الصعيد احتجاجًا أو اعتراضًا أو رفضًا لحكم المماليك وأساليبهم في سياسة البلاد١. ولا شكّ أنّ هذا عمل غير مشروع.
ومن الأمور الجديرة بالاهتمام فتنة (الدوادار اقبردي) سنة ثلاث وتسع مئة (٩٠٣هـ)، وهي من الفتن الكبيرة التي وقعت في دمشق في آخر حياة ابن عبد الهادي، وقد تفاقم شرّه وحاصر الصالحية وتوعدهم بالكبس والقتل والحرق والنهب وهم في أراجيف منه، وكتب لأهلها كتابًا يتوعدهم فيه.
وقد وقف ابن عبد الهادي من هذه الفتنة موقف علماء الملة المجاهدين حيث قال بعد أن ذكر رسالة (الدوادار آقبردي): "فسألني أهل الصالحية في الذهاب إليه فامتنعت"، وكتب له جوابًا على رسالته مطولًا توعد فيه كل من أراد الأذى لأهل الصالحية٢.
وتعد الصالحية البيئة الخاصة التي نشأ فيها ابن عبد الهادي، ولذا يمكن التعريف هنا بهذه المدينة إبّان عصر المؤلّف، فالصالحية تقع في سفح جبل قاسيون، أنشأها بنو قدامة المقادسة سنة أربع وخمسين وخمس مئة، عندما هاجروا من بيت المقدس إلى دمشق٣، وقد قام بنو قدامة ببناء دور لهم، وشرعوا في بناء المدرسة العمرية، وهي أوّل مدرسة بنيت في الجبل، وتتابع البناء حولها، وقد ساعد على توسع الصالحية السلطان نور الدين ثم الملوك الأيوبيون، حيث قاموا ببناء عدة مدارس ومساجد٤.
وأصبحت الصالحية في العصر المملوكي مدينة مستقلة، فابن بطوطة الذي
_________
١ المقريزي: السلوك ١/٣٨٦، قاسم عبده قاسم: دراسات في تاريخ مصر الاجتماعي ص: ١٣.
٢ ابن عبد الهادي: صبّ الخمول على من وصل أذاه أولياء الله والرسول ﷺ ق ٥، وابن طولون: مفاكهة الخلان ١/١٩٩.
٣ ابن طولون: القلائد الجوهرية ١/٦٤، ٦٦.
٤ دهمان: مقدمة القلائد الجوهرية ١/٨.
1 / 21