ولا تعرف أخبار الغساسنة بعد هذا، ولكن يظهر أن سلطانهم ضعف حينما استولى الفرس على الشام سنة 614م في عهد كسرى أبرويز، ولكنا نجد ذكرهم في وقعة اليرموك وفتوح الشام وفي شعر حسان، فقد بقيت لهم إمارة إلى الفتح الإسلامي، ولعل هرقل أعادهم إلى الإمرة حينما أخرج الفرس من الشام سنة 629.
وآخرهم جبلة بن الأيهم الذي يقال إنه أسلم ثم تنصر في عهد عمر ولحق بالروم. وكان الغساسنة أطوع لحضارة الروم ودينهم من المناذرة لحضارة الفرس، وقد تنصروا وتحمسوا في النصرانية، وقد أراد المنذر حينما ذهب إلى القسطنطينية أن يدعو أبناء مذهبه إلى مجمع ليزيل ما بينهم من خلاف. وكان لهم أثر في الأدب العربي ومدحهم النابغة وحسان، ولكنه دون أثر أمراء الحيرة فيهم؛ لأن أمراء الحيرة كانوا أقرب إلى بداوة العرب ودينهم، ويتبين من شعر حسان بعض أبهتهم وترفهم. هذا والروايات العربية متناقضة في تاريخ أمراء الغساسنة وبيان ملوكهم، كما تقدم، وأقصر الروايات وأجدرها بالثقة ما رواه ابن قتيبة.
وكان للعرب إمارات أخرى، كإمارة تدمر في بادية الشام التي بلغت أوجها في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد، وكإمارة النبط في بطرة التي ترعرعت قبل الميلاد. (2-2) القسم الوسط
وأما القسم الوسط من الجزيرة فيشمل الحجاز ونجدا وما يتصل بهما شرقا.
الحجاز
مولد الإسلام، ومبعث النور، ومصدر الهدى، تتجه إليه القلوب والأوجه كل حين، ويملأ كل قلب إليه حنين.
مدرج الإسلام ومرباه، تقتفى هنالك خطاه، في كل مكان أثر مشهور، وفي كل بقعة قول مأثور، كأن أحجاره ورماله وسهوله وجباله، ألواح فيها سيرة الرسول وأقواله، ومشاهده وأفعاله.
وفيه صدى القرآن، وآيات الوحي والفرقان، هناك منازل القرآن ومدارس سوره، ومهبط بشائره ونذره.
وفي الحجاز كتبت بسملة التاريخ الإسلامي وفاتحته، وعنوان الحضارة العربية وطغراؤها، وما تزال الذكر المجيدة توحى من الحجاز، وما تزال السير المجيدة تذكر به.
وفي الحجاز نشئت الجماعة الأولى على هدي القرآن وآدابه، ورشحت لتسيطر على العالم بأحكامه، وربي خلفاء العالم وولاته وقواده وقضاته؛ ليحكموا بعدل الله بين خلقه، ويقسموا رزق الله بين عياله.
Halaman tidak diketahui