Mahasin Tawil
محاسن التأويل
Genre-genre
المقصود مضافا إلى المعنى الآخر. وهو أنهم إنما قالوا ذلك وغضوا من الرسل بوصف البشرية استكبارا من أشرافهم وعتوا على الله ورسوله. فإن الجملة الأولى من أول السورة تشعر بخلاف الاستكبار وهو التعبد لله بتلك الوجوه المذكورة. والجملة الثانية مؤذنة بأن الإنسان منقول في أطوار العدم وغاية الضعف. فإن التارات السبع أتت عليه. وهي كلها ضعف إلى ضعف. وأصله العدم. فلا يليق ، بمن هذه صفته ، الاستكبار. والجملة الثالثة مشعرة بالاحتياج إلى تلك الأشياء والافتقار إليها. ولو لا خلقها لم يكن للإنسان بقاء بحكم العادة الجارية. فلا يليق بالفقير الاستكبار على من هو مثله في النشأة والخلق. فهذا كله كالتنكيت عليهم. والله أعلم.
ثم ذكر القصص في قوم نوح ( فقال الملأ الذين كفروا من قومه ) [المؤمنون : 24] ، والملأ هم الأشراف ، وكذلك فيمن بعدهم ( وقال الملأ من قومه الذين كفروا وكذبوا بلقاء الآخرة وأترفناهم ) [المؤمنون : 33] الآية. وفي قصة موسى : ( أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون ) [المؤمنون : 47] ومثل هذا الوصف يدل على أنهم ، لشرفهم في قومهم ، قالوا هذا الكلام.
ثم قوله : ( فذرهم في غمرتهم حتى حين ) [المؤمنون : 54] إلى قوله : ( لا يشعرون ) رجوع إلى وصف أشراف قريش وأنهم إنما تشرفوا بالمال والبنين. فرد عليهم بأن الذي يجب له الشرف من كان على هذا الوصف ، وهو قوله : ( إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون ) [المؤمنون : 57] ثم رجعت الآيات إلى وصفهم في ترفهم وحال مآلهم وذكر النعم عليهم والبراهين على صحة النبوءة ، وأن ما قال عن الله حق من إثبات الوحدانية ونفي الشريك وأمور الدار الآخرة للمطيعين والعاصين ، حسبما اقتضاه الحال والوصف للفريقين. فهذا النظر ، إذا اعتبر كليا في السورة ، وجد على أتم من هذا الوصف. لكن على منهاجه وطريقه. ومن أراد الاعتبار في سائر سور القرآن فالباب مفتوح. والتوفيق بيد الله.
فسورة المؤمنين قصة واحدة في شيء واحد.
وبالجملة ، فحيث ذكر قصص الأنبياء ، عليهم السلام ، كنوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى وهارون ، فإنما ذلك تسلية لمحمد عليه السلام وتثبيت لفؤاده ، لما كان يلقى من عناد الكفار وتكذيبهم له على أنواع مختلفة. فتذكر القصة على النحو الذي يقع له مثله. وبذلك اختلف مساق القصة الواحدة بحسب اختلاف الأحوال. والجميع حق واقع لا إشكال في صحته.
Halaman 98