328

إليها نبي. فإذ لا شك في هذا ، فإن القول منه تعالى يخرج على أحد ثلاثة أوجه : أحدها أن يكون الضمير في قوله تعالى : ( وإن منها لما يهبط ) راجع إلى القلوب المذكورة في أول الآية في قوله تعالى : ( ثم (1) قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) فذكر تعالى أن من تلك القلوب القاسية ما يقبل الإيمان يوما ما ، فيهبط عن القسوة إلى اللين من خشية الله تعالى ، وهذا أمر يشاهد بالعيان ، فقد تلين القلوب القاسية بلطف الله تعالى ، ويخشى العاصي. وقد أخبر عز وجل : ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم ) [آل عمران : 199] ، وكما أخبر تعالى أن ( من الأعراب من يؤمن بالله ) [التوبة : 99] من بعد أن أخبر أن ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا ) [التوبة : 97]. (قال) فهذا وجه ظاهر متيقن الصحة. والوجه الثاني أن الخشية المذكورة في الآية إنما هي التصرف بحكم الله تعالى وجري أقداره ، كما قلنا في قوله تعالى حاكيا عن السماء والأرض ( قالتا أتينا طائعين ) [فصلت : 11].

والوجه الثالث أن يكون الله تعالى عنى بقوله ( وإن منها لما يهبط من خشية الله ) الجبل الذي صار دكا ، إذ تجلى الله تعالى له يوم سأله كليمه عليه السلام الرؤية ، فذلك الجبل بلا شك من جملة الحجارة وقد هبط عن مكانه من خشية الله تعالى ، وهذه معجزة وآية وإحالة طبيعة في ذلك الجبل خاصة. ويكون ( يهبط ) بمعنى «هبط» كقوله تعالى : ( وإذ يمكر بك الذين كفروا ) [الأنفال : 30] معناه :

وإذ مكر ، وبين قوله تعالى ، مصدقا إبراهيم خليله صلى الله عليه وسلم في إنكاره على أبيه عبادة الحجارة ( لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ) [مريم : 42] وقوله تعالى : ( أم اتخذوا من دون الله شفعاء ، قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون ) [الزمر : 43] فصح بهذا ، صحة لا مجال للشك فيها ، أن الحجارة لا تعقل. وإذ تيقن ذلك بالنص وبالضرورة والمشاهدة فقد انتفى عنها النطق والتمييز والخشية ، المعهود كل ذلك عندنا. وأما الأحاديث المأثورة في أن الحجر له لسان وشفتان ، والكعبة كذلك ، وأن الجبال تطاولت ، وخشع جبل كذا ، فخرافات موضوعة نقلها كل كذاب وضعيف ، لا يصح منها شيء من طريق الإسناد أصلا. ويكفي من التطويل في ذلك أنه لم يدخل شيئا منها من انتدب من الأئمة لتصنيف الصحيح من الحديث ، أو ما يستجاز روايته ، مما يقارب الصحة (انتهى كلام ابن حزم).

وقال ابن جرير : اختلف أهل النحو في معنى الهبوط ما هبط من الأحجار من خشية الله فقال بعضهم : إن هبوط ما هبط منها من خشية الله تفيؤ ظلاله. وقال

Halaman 331