305

آلات الجسم. صوتا كان ذلك أو نارا. أو زلزلة أو رجفا (قال) ومما يدل على أنه قد يكون مصعوقا وهو حي غير ميت قول الله عز وجل ( وخر موسى صعقا ) يعني مغشيا عليه. ومنه قول جرير :

وهل كان الفرزدق غير قرد

أصابته الصواعق فاستدارا

فقد علم أن موسى لم يكن ، حين غشي عليه وصعق ، ميتا. لأن الله ، جل وعز ، أخبر عنه أنه لما أفاق قال : تبت إليك. ولا شبه جرير الفرزدق ، وهو حي ، بالقرد ميتا ، ولكن معنى ذلك ما وصفناه.

وقوله تعالى : ( وأنتم تنظرون ) أي إلى تلك الصاعقة. وقوله تعالى : ( ثم بعثناكم من بعد موتكم ) قال الراغب الأصبهاني في تفسيره : البعث إرسال المبعوث من المكان الذي فيه. لكن فرق بين تفاسيره بحسب اختلاف المعلق به ، فقيل : بعثت البعير من مبركه أي أثرته. وبعثته في السير أي هيجته ، وبعث الله الميت أحياه. وضرب البعث على الجند إذا أمروا بالارتحال. وكل ذلك واحد في الحقيقة ، وإنما اختلف لاختلاف صور المبعوثات (ثم قال) والموت حمل على المعروف ، وحمل أيضا على الأحوال الشاقة الجارية مجرى الموت ، وليس يقتضى قوله ( فأخذتكم الصاعقة ) أنهم ماتوا. ألا ترى إلى قوله : ( وخر موسى صعقا ) لكن الآية تحتمل الأمرين ، وحقيقة ما كان إنما يعتمد فيها على السمع المتعدي عن الاحتمالات. انتهى. وقد يؤيد الثاني آية الأعراف المذكورة وهي ( واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا ، فلما أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي ) [الأعراف : 155] ، فالرجفة هي المسماة بالصاعقة هنا ، والتنزيل يفسر بعضه بعضا ، والأصل توافق الآي. وقد ذكر ابن إسحاق والسدي أن الذين أخذتهم الرجفة هم الذين سألوا موسى رؤية الله جهرة ، وسيأتي في الأعراف بسط ذلك إن شاء الله.

دلت الآية على أن طلب رؤيته تعالى في الدنيا مستنكر غير جائز ، ولذا لم يذكر ، سبحانه وتعالى ، سؤال الرؤية إلا استعظمه. وذلك في آيات. منها هذه. ومنها قوله تعالى : ( يسئلك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتابا من السماء ، فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم ) [النساء : 153] ومنها قوله تعالى : ( وقال الذين لا يرجون لقاءنا لو لا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ، لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا ) [الفرقان : 21] فدلت هذه التهويلات الفظيعة الواردة لطالبيها في الدنيا على امتناعها فيها. وكما

Halaman 308