Mahasin Tawil
محاسن التأويل
Genre-genre
محمد صلى الله عليه وسلم أنه من عند الله تعالى ، والتعبير عن اعتقادهم في حقه بالريب مع أنهم جازمون بكونه من كلام البشر كما يعرب عنه قوله تعالى : ( إن كنتم صادقين ) إما للإيذان بأن أقصى ما يمكن صدوره عنهم وإن كانوا في غاية ما يكون من المكابرة والعناد هو الارتياب في شأنه (وأما الجزم المذكور فخارج من دائرة الاحتمال ، كما أن تنكيره وتصديره بكلمة الشك للإشعار بأن حقه أن يكون ضعيفا مشكوك الوقوع) وإما للتنبيه على أن جزمهم ذلك بمنزلة الريب الضعيف لكمال وضوح دلائل الإعجاز ، ونهاية قوتها. وإنما لم يقل : (وإن ارتبتم فيما نزلنا ....) إلخ ، لما أشير إليه فيما سلف من المبالغة في تنزيه ساحة التنزيل عن شائبة وقوع الريب فيه حسبما نطق به قوله تعالى ( لا ريب فيه ) والإشعار بأن ذلك إن وقع فمن جهتهم لا من جهته العالية. واعتبار استقرارهم فيه ، وإحاطته بهم ، لا ينافي اعتبار ضعفه وقلته : لما أن ما يقتضيه ذلك هو دوام ملابستهم به ، لا قلته ولا كثرته. وفي ذكره صلى الله عليه وسلم بعنوان العبودية ، مع الإضافة إلى ضمير الجلالة من التشريف ، والتنويه ، والتنبيه على اختصاصه به عز وجل ، وانقياده لأوامره تعالى ما لا يخفى. والأمر في قوله تعالى : ( فأتوا بسورة ) من باب التعجيز وإلقام الحجر ، كما في قوله تعالى : ( فأت بها من المغرب ) [البقرة : 258] ، أو من باب المجاراة معهم بحسب حسبانهم حيث كانوا يقولون : لو نشاء لقلنا مثل هذا. و «السورة» الطائفة من القرآن العظيم المترجمة ، وأقلها ثلاث آيات ، وواوها أصلية ، منقولة من سور البلد لأنها محيطة بطائفة من القرآن مفرزة ، محوزة. أو محتوية على فنون رائقة من العلوم ، احتواء سور المدينة على ما فيها. أو من السورة التي هي الرتبة. فإن سور القرآن مع كونها في أنفسها رتبا من حيث الفضل والشرف ، أو من حيث الطول والقصر فهي من حيث انتظامها مع أخواتها في المصحف : مراتب يرتقي إليها القارئ شيئا فشيئا. و «من» في قوله تعالى : ( من مثله ) بيانية متعلقة بمحذوف صفة لسورة ، والضمير «لما نزلنا» أي بسورة كائنة من مثله في علو الرتبة ، وسمو الطبقة ، والنظم الرائق ، والبيان البديع ، وحيازة سائر نعوت الإعجاز ، وقيل «من» زائدة على ما هو رأي الأخفش بدليل قوله تعالى ( فأتوا بسورة مثله ) [يونس : 38] ( بعشر سور مثله ) [هود : 13].
وقوله تعالى : ( وادعوا شهداءكم من دون الله ) إرشاد لهم إلى إنهاض أمة جمة ليحتشدوا في حلبة المعارضة بخيلهم ورجلهم ، ويتعاونوا على الإتيان بقدر يسير مماثل في صفات الكمال لما أتى بجملته واحد من أبناء جنسهم. وهذا كقوله
Halaman 268