259

من أهل الظلمات الذين لا نور لهم ، وأيضا فإن الله تعالى سمى كتابه (نورا)، ورسوله صلى الله عليه وسلم (نورا)، ودينه (نورا)، وهداه (نورا)، ومن أسمائه (النور)، والصلاة (نور)، فذهابه سبحانه بهم : ذهاب بهذا كله. وتأمل مطابقة هذا المثل لما تقدمه من قوله : ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين ) [البقرة : 16] كيف طابق هذه التجارة الخاسرة التي تضمنت هول الضلالة والرضاء بها ، وبدل الهدى في مقابلتها ، وهول الظلمات التي هي الضلالة والرضاء بها بدلا عن النور الذي هو الهدى والنور فبدلوا الهدى والنور ، وتعوضوا عنه بالظلمة والضلالة. فيا لها من تجارة ما أخسرها ، وصفقة ما أشد غبنها. وتأمل كيف قال تعالى : ( ذهب الله بنورهم ) فوحده ثم قال : ( وتركهم في ظلمات ) فجمعها. فإن الحق واحد : هو صراط الله المستقيم الذي لا صراط يوصل إليه سواه وهو عبادته وحده لا شريك له ، بما شرعه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، لا بالأهواء ، والبدع ، وطرق الخارجين عن ما بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق بخلاف طرق الباطل فإنها متعددة متشعبة. ولهذا ، يفرد ، سبحانه ، الحق ، ويجمع الباطل ، كقوله تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ، والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات ) [البقرة : 257] وقال تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ، ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) [الأنعام : 153] ، فجمع سبل الباطل ، ووحد سبيل الحق. ولا يناقض هذا قوله ( يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ) [المائدة : 16] فإن تلك هي طرق مرضاته التي يجمعها سبيله الواحد وصراطه المستقيم ، إن طرق مرضاته كلها ترجع إلى صراط واحد ، وسبيل واحد ، وهي سبيله التي لا سبيل إليه إلا منها. وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خط خطا مستقيما ، وقال : «هذا سبيل الله» (1). ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ، وقال «هذه سبل ، على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه» ثم قرأ قوله تعالى : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون ).

وقد قيل : إن هذا مثل للمنافقين ، وما يوقدونه من نار الفتنة التي يوقعونها بين

ثم وضع يده في الخط الأوسط فقال «هذا سبيل الله» ثم تلا هذه الآية ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) [الأنعام : 153].

Halaman 262