الحجة سنة ٦٠٣ هـ)، وسمع منه كثيرًا من الكتب الكبار والأجزاء والفوائد (١).
بعدها كانت الرحلة إلى الشام، مستهلَّ مرحلة جديدة من حياته، ذكرها كل مؤرخيه في ترجمته، وإن لم يعينوا تاريخها، فيما قرأت، وهل كانت رحلة في طلب العلم والسماع، أو كانت نزوح هجرة؟
هنا أحتاج إلى استطراد يسير، نطل به على عصر ابن الصلاح:
قبل مولده بنحو من عشر سنين، في مستهل سنة ٥٦٧ هـ، كان " الملك العادل نورالدين محمود بن زنكي " قد قطع الخطبة للفاطميين بالشام، وأمر " صلاح الدين بن نجم الدين أيوب " نائبه على مصر، أن يقطعها بها. وأعيدت الخطبة للعباسيين بمصر والشام.
في سنة ٥٦٩ هـ توفي العادل نورالدين، وآلت الدولة إلى صلاح الدين الأيوبي فواصل جهاد الصليبيين، وفي شهر ربيع الثاني من سنة ٥٨٣ هـ كانت وقعة حطين الظافرة، وأعقبها تحرير بيت المقدس من قبضتهم، يوم الجمعة السابع والعشرين من شهر رجب، بعد مولد ابن الصلاح بنحو من خمس سنوات. وتوالت المعارك الباسلة في الجبهة الصليبية بمصر والشام إلى أن توفي الملك المظفر صلاح الدين، في صفر سنة ٥٨٩ هـ، وتقاسم بنوه ملك مصر ودمشق وحلب، واستقل أخوه أبو بكر الأيوبي بالكرج والجزيرة وديار بكر وميافارقين، واستقل أخوهما سيف الإِسلام ضغتكين باليمين من زبيد إلى حضرموت. ونشبت فيهم فتن شرسة، وعاد الصليبيون يعربدون على ساحة الشام ويهددون ثغور مصر، حتى آلت الدولة الصلاحية إلى الملك العادل سيف الدين أبي بكر بن أيوب، أخي صلاح الدين، فحمل لواء الجهاد إلى وفاته سنة (٦١٥ هـ).
بعد سنة واحدة - أي سنة ٦١٦ هـ - تحركت جيوش التتار مما وراء النهر، فاجتاحوا خوارزم وبخارى، فقتلوا وخربوا وما أبقوا. وأخذوا خراسان إلى حدود العراق، ثم عطفوا على قزوين وأذربيجان فاستباحوهما، وكرُّوا على إربل ودخلوا مرو آخر سنة ٦١٧ فوطئوهما وطأة ساحقة.
_________
(١) تقييد ابن نقطة (ل ١٣٧) وتكملة المنذري (٢/ ١١٥٨) والعبر، ودول الإِسلام للذهبي، وفيات ٦٠٧ هـ.
1 / 21