وأما ما أراه الله أعداءه من الآيات فأكثر من أن يحصى، منها ما رواه وهب بن منبه عن الليث بن سعد قال: أتى أربد بن ربيعة وعامر بن الطفيل إلى رسول الله، ﷺ، فقال أحدهما للآخر: أنا أشغله بالكلام حتى تقتله، فوقف أحدهما على النبي، ﷺ، فلما طال عليه انصرف فقال لصاحبه: ما صنعت شيئًا؟ قال: رأيت عنده شيئًا ورجله في الأرض ورأسه في السماء لو دنوت منه أهلكني، وأما أربد فأصابته صاعقة، وأنزل الله تعالى: " له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله، وأما عامر فإنه قال لرسول الله، ﷺ: لنا أهل الوبر ولكم أهل المدر، فقال، ﷺ: لكم الأعنة، فقال: لأملأنها خيلًا عليكم ورجلًا. فلما ولّى رسول الله، ﷺ، قال: اللهم اكفنيه، فأخذته غدة فقتلته.
وعن محمد بن عبد الله قال: بينا رسول الله، ﷺ، قائم يصلي إذ رآه أبو جهل فقال لنفر من قريش: لأذهبن فأقتلن محمدًا، فدنا منه قال: ورسول الله، ﷺ، قائم يصلي ويقرأ: " اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق "، حتى بلغ آخرها، فانصرف أبو جهل وهو يقول: هذا وأبيكم وعيد شديد، فلقي أصحابه فقالوا له: ما بالك لم تقتله؟ قال: والله إن بيني وبينه رجلًا له كتيت ككتيت الفحل يعدني يقول: ادْنُ ادن.
وعن عبد الله أن أعرابيًا جاء بعكّة من سمن فاشتراها أبو جهل فأمسك العكة وأمسك الثمن، فشكاه الأعرابي إلى قريش فكلموه فأبى عليهم، فقال بعض المستهزئين: يا أعرابي أتحب أن تأخذ عكتك وثمنها؟ قال: بلى، قال: أترى هذا الرجل المار؟ القه فكلمه، يعني النبي، ﷺ، فأتاه الأعرابي وشكا إليه أمر العكة، فخرج عليه، ﷺ، حتى وقف بباب أبي جهل فناداه باسمه، فخرج إليه ترعد فرائصه، فقال له: أد هذا عكته وثمنها، فدخل أبو جهل فدفع إلى الرجل العكة، فخرج الأعرابي إلى قريش وأخبرهم بذلك، ثم خرج أبو جهل، فقالت له قريش: كلمناك أن تؤدي الأعرابي حقه فأبيت ثم جاءك ابن عبد المطلب فدفعت إليه ذلك؟ فقال: إن معه لجملًا فاتحًا فاه ينظر ما أقول فيلتقم رأسي فما وجدت بدًا من إعطائه حقه.
وأما أنس الوحش به فمما حدثنا إسماعيل بن يحيى بن محمد عن سعيد بن سيف بن عمر عن أبي عمير عن الأسود قال: سأل رجل هند بن أبي هالة...... فقال: حدثينا بأعجب ما رأيت أو بلغك عن رسول الله، ﷺ، فقالت: كل أمره كان عجبًا، وأعجب ما رأيت أنه كان لي ربائب وحش كنت آنس بهن وآلفهن فإذا كان يومه الذي يكون فيه عندي لم يزلن قيامًا صواف ينظرن إليه ولا يلهيهن عن النظر إليه شيء ولا ينظرن إلى غيره، فإذا شخص قائمًا سمون إليه بأبصارهن، فإذا انطلق موليًا لاحظنه النظر، فإذا غاب شخصه عنهن ضربن بأذنابهن وآذانهن، وكان ذلك يعجبني.
وعن عبد الملك بن عمير أن النبي، ﷺ، مر بظبية عند قانص فقالت: يا رسول الله إن ضرعي قد امتلأ وتركت خشفين جائعين فخلني حتى أذهب وأرويهما ثم أعود إليك فتربطني، فقال: صيد قوم وربيطتهم! قالت: يا رسول الله فإني أعطيك عهد الله لأرجعن، فأخذ عليها عهد الله ثم أطلقها وأرسلها فما لبثت إلا يسيرًا حتى جاءت وقد فرغت ما في ضرعها، فقال: ﷺ: لمن هذه الظبية؟ قالوا: لفلان، فاستوهبها منه ثم خلى سبيلها وقال: لو أن البهائم تعلم ما تعلمون من الموت ما أكلتم سمنًا.
وأما محاسن شهادات السباع له بالنبوة فمن ذلك ما روي أن أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية خرجا من مكة فإذا هما بذئب يكد ظبية حتى إن نَفسه كاد أن يبلغ ظهر الظبية أو شبيهًا بذلك إذ دخل الظبي الحرم فرجع الذئب، فقال أبو سفيان: ما أرض سكنها قوم أفضل من أرض أسكنها الله إيانا، أما رأيت ما صنع الذئب أعجب منه حين رجع! فقال الذئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار. فقال أبو سفيان: واللات والعزى لئن ذكرت ذلك بمكة لنتركها خلوًا.
1 / 9