Mafâtîh al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Penerbit
دار إحياء التراث العربي
Nombor Edisi
الثالثة
Tahun Penerbitan
١٤٢٠ هـ
Lokasi Penerbit
بيروت
Genre-genre
Tafsiran
فَضْلًا عَنْ حُجَّةٍ. وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّانِيَةُ: - وَهِيَ قَوْلُهُمُ الْجِسْمُ إِنَّمَا يَكُونُ قَادِرًا بِالْقُدْرَةِ- فَقَدْ بَنَوْا هَذَا عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ مِمَّا تَسْتَلْزِمُ مُمَاثَلَةً، فَلَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْهَا قَادِرًا لِذَاتِهِ لَكَانَ الْكُلُّ قَادِرًا لِذَاتِهِ، وَبِنَاءُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ عَلَى تَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ، وَأَمَّا الْمُقَدِّمَةُ الثَّالِثَةُ: - وَهِيَ قَوْلُهُمْ هَذِهِ الْقُدْرَةُ الَّتِي لَنَا لَا تَصْلُحُ لِخَلْقِ الْأَجْسَامِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَصْلُحَ الْقُدْرَةُ الْحَادِثَةُ لِخَلْقِ الْأَجْسَامِ- وَهَذَا أَيْضًا ضَعِيفٌ، لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ لِمَ لَا يَجُوزُ حُصُولُ قُدْرَةٍ مُخَالِفَةٍ لِهَذِهِ الْقُدْرَةِ الْحَاصِلَةِ لَنَا وَتَكُونُ تِلْكَ الْقُدْرَةُ صَالِحَةٌ لِخَلْقِ الْأَجْسَامِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ وُجُودِ الشَّيْءِ فِي الْحَالِ امْتِنَاعُ وُجُودِهِ، فَهَذَا إِتْمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
هل يعلم الجن الغيب:
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْجِنَّ هَلْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ؟ وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ أَنَّهُمْ بَقُوا فِي قَيْدِ سُلَيْمَانَ ﵇ وَفِي حَبْسِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ مُدَّةً وَهُمْ مَا كَانُوا يَعْلَمُونَ مَوْتَهُ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ إِنَّهُمْ يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ فِيهِمْ مَنْ يَصْعَدُ إِلَى السموات أَوْ يَقْرُبُ مِنْهَا وَيُخْبِرُ بِبَعْضِ الْغُيُوبِ عَلَى أَلْسِنَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَهُمْ طُرُقٌ أُخْرَى فِي مَعْرِفَةِ الْغُيُوبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ فَتْحَ الْبَابِ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ لَا يُفِيدُ إِلَّا الظُّنُونَ وَالْحُسْبَانَاتِ والعالم بحقائقها هو الله تعالى.
أسباب الاستعاذة وأنواعها:
الرُّكْنُ الْخَامِسُ: مِنْ أَرْكَانِ مَبَاحِثِ الِاسْتِعَاذَةِ. الْمَطَالِبُ الَّتِي لِأَجْلِهَا يُسْتَعَاذُ.
اعْلَمْ أَنَّا قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حَاجَاتِ الْعَبْدِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، فَلَا خَيْرَ مِنَ الْخَيْرَاتِ إِلَّا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى تَحْصِيلِهِ، وَلَا شَرَّ مِنَ الشُّرُورِ إِلَّا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى دَفْعِهِ وَإِبْطَالِهِ، فَقَوْلُهُ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ) يَتَنَاوَلُ دَفْعَ جَمِيعِ الشُّرُورِ الرُّوحَانِيَّةِ وَالْجُسْمَانِيَّةِ، وَكُلُّهَا أُمُورٌ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَنَحْنُ نُنَبِّهُ عَلَى مَعَاقِدِهَا فَنَقُولُ: الشُّرُورُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ بَابِ الِاعْتِقَادَاتِ الْحَاصِلَةِ فِي الْقُلُوبِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مِنْ بَابِ الْأَعْمَالِ الْمَوْجُودَةِ فِي الْأَبْدَانِ، أَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْعَقَائِدِ الْبَاطِلَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ أَقْسَامَ الْمَعْلُومَاتِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَقَدَ اعْتِقَادًا صَوَابًا صَحِيحًا وَيُمْكِنُ أَنْ يُعْتَقَدَ اعْتِقَادًا فَاسِدًا خَطَأً، وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَذَاهِبُ فِرَقِ الضَّلَالِ فِي الْعَالَمِ، وَهِيَ اثْنَتَانِ وَسَبْعُونَ فِرْقَةً مِنْ هَذِهِ الأمة، وسبعمائة وأكثر خَارِجٌ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، فَقَوْلُهُ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ) يَتَنَاوَلُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا.
وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَعْمَالِ الْبَدَنِيَّةِ فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ: مِنْهَا مَا يُفِيدُ الْمَضَارَّ الدِّينِيَّةَ، وَمِنْهَا مَا يُفِيدُ الْمَضَارَّ الدُّنْيَوِيَّةَ، فَأَمَّا الْمَضَارُّ الدِّينِيَّةُ فَكُلُّ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فِي جَمِيعِ أَقْسَامِ التَّكَالِيفِ، وَضَبْطُهَا كَالْمُعْتَذِرِ، وَقَوْلُهُ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ) يَتَنَاوَلُ كُلَّهَا، وَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَضَارِّ الدُّنْيَوِيَّةِ فَهُوَ جَمِيعُ الْآلَامِ وَالْأَسْقَامِ وَالْحَرْقِ وَالْغَرَقِ وَالْفَقْرِ وَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى، وَأَنْوَاعُهَا تَقْرُبُ أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، فَقَوْلُهُ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ) يَتَنَاوَلُ الِاسْتِعَاذَةَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: (أَعُوذُ بِاللَّهِ) يتناول ثلاثة أقسام، وكل واحد منهما يَجْرِي مَجْرَى مَا لَا نِهَايَةَ لَهُ أَوَّلُهَا:
الْجَهْلُ، وَلَمَّا كَانَتْ أَقْسَامُ الْمَعْلُومَاتِ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ كانت أنواع الجهالات غير متناهية، فالعبد يستعذ بِاللَّهِ مِنْهَا، وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مَذَاهِبُ أَهْلِ الْكُفْرِ، وَأَهْلِ الْبِدْعَةِ عَلَى كَثْرَتِهَا، وَثَانِيهَا: الْفِسْقُ، وَلَمَّا كَانَتْ أَنْوَاعُ
1 / 90