Mafâtîh al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Penerbit
دار إحياء التراث العربي
Nombor Edisi
الثالثة
Tahun Penerbitan
١٤٢٠ هـ
Lokasi Penerbit
بيروت
Genre-genre
Tafsiran
وَالْمَعْنَى/ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِيَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، لِأَنَّهُ يُقَالُ: تَرْكُ الظَّاهِرِ فِي مَوْضِعِ الدَّلِيلِ لَا يُوجِبُ تَرْكَهُ فِي سَائِرِ الْمَوَاضِعِ لِغَيْرِ دَلِيلٍ.
أَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ فَقَالُوا: لَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ [النَّحْلِ: ٩٨] يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ إِذَا أَرَدْتَ، وَإِذَا ثَبَتَ الِاحْتِمَالُ وَجَبَ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَيْهِ تَوْفِيقًا بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ الْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ، وَمِمَّا يُقَوِّي ذَلِكَ مِنَ الْمُنَاسَبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الِاسْتِعَاذَةِ نَفْيُ وَسَاوِسِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، قَالَ تَعَالَى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطانُ [الْحَجِّ: ٥٢] وَإِنَّمَا أَمَرَ تَعَالَى بِتَقْدِيمِ الاستعاذة قبل القراءة لهذا السبب.
وأقول: هاهنا قَوْلٌ ثَالِثٌ: وَهُوَ أَنْ يَقْرَأَ الِاسْتِعَاذَةَ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ بِمُقْتَضَى الْخَبَرِ، وَبَعْدَهَا بِمُقْتَضَى الْقُرْآنِ، جَمْعًا بين الدليلين بقدر الإمكان.
حكم الاستعاذة:
المسألة الثانية [حكم الاستعاذة]: قَالَ عَطَاءٌ: الِاسْتِعَاذَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الصَّلَاةِ أَوْ فِي غَيْرِهَا، وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا تَعَوَّذَ الرَّجُلُ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي عُمُرِهِ فَقَدْ كَفَى فِي إِسْقَاطِ الْوُجُوبِ وَقَالَ الْبَاقُونَ: إِنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ.
حُجَّةُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُعَلِّمِ الْأَعْرَابِيَّ الِاسْتِعَاذَةَ فِي جُمْلَةِ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إِنْ ذَلِكَ الْخَبَرَ غَيْرُ مُشْتَمِلٍ عَلَى بَيَانِ جُمْلَةِ وَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ ذِكْرِ الِاسْتِعَاذَةِ فِيهِ عَدَمُ وُجُوبِهَا.
وَاحْتَجَّ عَطَاءٌ عَلَى وُجُوبِ الِاسْتِعَاذَةِ بِوُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ﵇ وَاظَبَ عَلَيْهِ، فَيَكُونُ واجبا لقوله تعالى: وَاتَّبِعُوهُ.
الثَّانِي: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: فَاسْتَعِذْ أَمْرٌ، وَهُوَ لِلْوُجُوبِ، ثُمَّ إِنَّهُ يَجِبُ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ عِنْدَ كُلِّ الْقِرَاءَاتِ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَذِكْرُ الْحُكْمِ عَقِيبَ الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيلِ، وَالْحُكْمُ يَتَكَرَّرُ لِأَجْلِ تَكَرُّرِ الْعِلَّةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالِاسْتِعَاذَةِ لِدَفْعِ الشَّرِّ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النحل: ٩٨] مُشْعِرٌ بِذَلِكَ، وَدَفْعُ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَاجِبٌ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الِاسْتِعَاذَةُ وَاجِبَةً.
الرَّابِعُ: أَنَّ طَرِيقَةَ الِاحْتِيَاطِ تُوجِبُ الِاسْتِعَاذَةَ، فَهَذَا مَا لَخَّصْنَاهُ في هذه المسألة.
التعوذ في الصلاة:
المسألة الثالثة [التعوذ في الصلاة]: التَّعَوُّذُ مُسْتَحَبٌّ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَعَوَّذُ فِي/ الْمَكْتُوبَةِ وَيَتَعَوَّذُ فِي قِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ، لَنَا الْآيَةُ الَّتِي تَلَوْنَاهَا، وَالْخَبَرُ الَّذِي رُوِّينَاهُ، وَكِلَاهُمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتِ الْوُجُوبُ فَلَا أَقَلَّ مِنَ النَّدْبِ.
هل يسر بالتعوذ أو يجهر:
المسألة الرابعة [هل يسر بالتعوذ أو يجهر]: قَالَ الشَّافِعِيُّ ﵁ فِي «الْأُمِّ»: رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ لَمَّا قَرَأَ أَسَرَّ بِالتَّعَوُّذِ
1 / 67