Mafâtîh al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Penerbit
دار إحياء التراث العربي
Nombor Edisi
الثالثة
Tahun Penerbitan
١٤٢٠ هـ
Lokasi Penerbit
بيروت
Genre-genre
Tafsiran
سورة الفاتحة
تفسير البسملة
: وَأَمَّا قَوْلُهُ ﷻ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ فَفِيهِ نَوْعَانِ مِنَ الْبَحْثِ: النَّوْعُ الْأَوَّلُ: قَدِ اشْتُهِرَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى أَلْفًا وَوَاحِدًا مِنَ الْأَسْمَاءِ الْمُقَدَّسَةِ الْمُطَهَّرَةِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْبَحْثَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ مَسْأَلَةٌ شَرِيفَةٌ عَالِيَةٌ، وَأَيْضًا فَالْعِلْمُ بِالِاسْمِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِذَا كَانَ مَسْبُوقًا بِالْعِلْمِ بِالْمُسَمَّى، وَفِي الْبَحْثِ عَنْ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُسَمَّيَاتِ، وَعَنِ الدَّلَائِلِ الدَّالَّةِ عَلَى ثُبُوتِهَا، وَعَنْ أَجْوِبَةِ الشُّبُهَاتِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي نَفْيِهَا مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ، وَمَجْمُوعُهَا يَزِيدُ عَلَى الْأُلُوفِ، النَّوْعُ الثَّانِي: مِنْ مَبَاحِثِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَنَّ الْبَاءَ فِي قَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ بَاءُ الْإِلْصَاقِ، وَهِيَ مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ، وَالتَّقْدِيرُ: بِاسْمِ اللَّهِ أَشْرَعُ فِي أَدَاءِ الطَّاعَاتِ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَصِيرُ مُلَخَّصًا مَعْلُومًا إِلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى أَقْسَامِ الطَّاعَاتِ، وَهِيَ الْعَقَائِدُ الْحَقَّةُ وَالْأَعْمَالُ الصَّافِيَةُ مَعَ الدَّلَائِلِ وَالْبَيِّنَاتِ، وَمَعَ الْأَجْوِبَةِ عَنِ الشُّبُهَاتِ، وَهَذَا الْمَجْمُوعُ رُبَّمَا زَادَ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ مَسْأَلَةٍ.
وَمِنَ اللَّطَائِفِ أَنَّ قَوْلَهُ (أَعُوذُ بِاللَّهِ) إِشَارَةٌ إِلَى نَفْيِ مَا لَا يَنْبَغِي مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ، وَقَوْلَهُ بِسْمِ اللَّهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَا يَنْبَغِي مِنَ الِاعْتِقَادَاتِ وَالْعَمَلِيَّاتِ، فَقَوْلُهُ بِسْمِ اللَّهِ لَا يَصِيرُ/ مَعْلُومًا إِلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ عَلَى جَمِيعِ الْعَقَائِدِ الْحَقَّةِ، وَالْأَعْمَالِ الصَّافِيَةِ، وَهَذَا هُوَ التَّرْتِيبُ الَّذِي يَشْهَدُ بِصِحَّتِهِ العقل الصحيح، والحق الصريح.
نعم الله تعالى التي لا تحصى
: أَمَّا قَوْلُهُ ﷻ الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاعْلَمْ أَنَّ الْحَمْدَ إِنَّمَا يَكُونُ حَمْدًا عَلَى النِّعْمَةِ، وَالْحَمْدُ عَلَى النِّعْمَةِ لَا يُمْكِنُ إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ تِلْكَ النِّعْمَةِ، لَكِنَّ أَقْسَامَ نِعَمِ اللَّهِ خَارِجَةٌ عَنِ التَّحْدِيدِ وَالْإِحْصَاءِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوها [إِبْرَاهِيمَ: ٣٤] وَلْنَتَكَلَّمْ فِي مِثَالٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ أَنَّ الْعَاقِلَ يَجِبُ أَنْ يَعْتَبِرَ ذَاتَهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُؤَلَّفٌ مِنْ نَفْسٍ وَبَدَنٍ، وَلَا شَكَّ أَنَّ أَدْوَنَ الْجُزْءَيْنِ وَأَقَلَّهُمَا فَضِيلَةً وَمَنْفَعَةً هُوَ الْبَدَنُ، ثُمَّ إِنَّ أَصْحَابَ التَّشْرِيحِ وَجَدُوا قَرِيبًا مِنْ خَمْسَةِ آلَافِ نَوْعٍ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي دَبَّرَهَا اللَّهُ ﷿ بِحِكْمَتِهِ فِي تَخْلِيقِ بَدَنِ الْإِنْسَانِ، ثُمَّ إِنَّ مَنْ وَقَفَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ فِي «كُتُبِ التَّشْرِيحِ» عَرَفَ أَنَّ نِسْبَةَ هَذَا الْقَدْرِ الْمَعْلُومِ الْمَذْكُورِ إِلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ وَمَا لَمْ يُذْكَرْ كَالْقَطْرَةِ فِي الْبَحْرِ الْمُحِيطِ، وَعِنْدَ هَذَا يَظْهَرُ أَنَّ مَعْرِفَةَ أَقْسَامِ حِكْمَةِ الرَّحْمَنِ فِي خَلْقِ الْإِنْسَانِ تَشْتَمِلُ عَلَى عَشَرَةِ آلَافِ مَسْأَلَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، ثُمَّ إِذَا ضُمَّتْ إِلَى هَذِهِ الْجُمْلَةِ آثَارُ حِكَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَخْلِيقِ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ وَأَطْبَاقِ السموات، وَأَجْرَامِ النَّيِّرَاتِ مِنَ الثَّوَابِتِ وَالسَّيَّارَاتِ، وَتَخْصِيصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِقَدْرٍ مَخْصُوصٍ وَلَوْنٍ مَخْصُوصٍ وَغَيْرِ مَخْصُوصٍ، ثُمَّ يُضَمُّ إِلَيْهَا آثَارُ حِكَمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي تَخْلِيقِ الْأُمَّهَاتِ
1 / 23