142

Mafâtîh al-Ghayb

مفاتيح الغيب

Penerbit

دار إحياء التراث العربي

Edisi

الثالثة

Tahun Penerbitan

١٤٢٠ هـ

Lokasi Penerbit

بيروت

Genre-genre

Tafsiran
وَالْمُرَبِّي حَالَ بَقَائِهَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الْخِلَافُ فَخَصَّهُ سُبْحَانَهُ بِالذِّكْرِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَى اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ لَا فِي حَالِ حُدُوثِهِ وَلَا فِي حَالِ بَقَائِهِ.
اللَّطِيفَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مُسَمَّاةٌ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَوَجَبَ كَوْنُهَا كَالْأَصْلِ وَالْمَعْدِنِ، وَأَنْ يَكُونَ غَيْرُهَا كَالْجَدَاوِلِ الْمُتَشَعِّبَةِ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ: رَبِّ الْعالَمِينَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ سِوَاهُ فَإِنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى إِلَهِيَّتِهِ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى افْتَتَحَ سُوَرًا أَرْبَعَةً بَعْدَ هَذِهِ السُّورَةِ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَأَوَّلُهَا: سُورَةُ الْأَنْعَامِ وَهُوَ قَوْلُهُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الْأَنْعَامِ: ١] وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَذْكُورَ هَاهُنَا قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ قَوْلِهِ: رَبِّ الْعالَمِينَ لِأَنَّ لَفْظَ الْعَالَمِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَا سِوَى الله، والسموات وَالْأَرْضُ وَالنُّورُ وَالظُّلْمَةُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ مَا سِوَى اللَّهِ، فَالْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ كَأَنَّهُ قِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ، وَأَيْضًا فَالْمَذْكُورُ فِي أول سورة الأنعام أنه خلق السموات وَالْأَرْضَ، وَالْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ كَوْنُهُ رَبًّا لِلْعَالَمِينَ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ مَتَى ثَبَتَ أَنَّ الْعَالَمَ مُحْتَاجٌ حَالَ بَقَائِهِ إِلَى إِبْقَاءِ اللَّهِ كَانَ الْقَوْلُ بِاحْتِيَاجِهِ حَالَ حُدُوثِهِ إِلَى الْمُحْدِثِ أَوْلَى، أَمَّا لَا يَلْزَمُ مِنَ احْتِيَاجِهِ إِلَى الْمُحْدِثِ حَالَ حُدُوثِهِ احْتِيَاجُهُ إِلَى الْمُبْقِي حَالَ بَقَائِهِ، فَثَبَتَ بِهَذَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ يَجْرِي مَجْرَى قِسْمٍ مِنْ أَقْسَامِ مَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ.
وَثَانِيهَا: سُورَةُ الْكَهْفِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ [الكهف: ١] وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ تَرْبِيَةُ الْأَرْوَاحِ بِالْمَعَارِفِ، فَإِنَّ الْكِتَابَ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَى عَبْدِهِ سَبَبٌ لِحُصُولِ الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُشَاهَدَاتِ، فَكَانَ هَذَا إِشَارَةً إِلَى التَّرْبِيَةِ الرُّوحَانِيَّةِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ: رَبِّ الْعالَمِينَ إِشَارَةٌ إِلَى التَّرْبِيَةِ الْعَامَّةِ فِي حَقِّ كُلِّ الْعَالَمِينَ، وَيَدْخُلُ فِيهِ التَّرْبِيَةُ الرُّوحَانِيَّةُ لِلْمَلَائِكَةِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ وَالتَّرْبِيَةُ الْجُسْمَانِيَّةُ الْحَاصِلَةُ فِي السموات وَالْأَرَضِينَ، فَكَانَ/ الْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ نَوْعًا مِنْ أَنْوَاعِ مَا ذَكَرَهُ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ.
وَثَالِثُهَا: سُورَةُ سَبَأٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ [سَبَأٍ: ١] فَبَيَّنَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الأنعام أن السموات وَالْأَرْضَ لَهُ، وَبَيَّنَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ سَبَأٍ أن الأشياء الحاصلة في السموات وَالْأَرْضِ لَهُ، وَهَذَا أَيْضًا قِسْمٌ مِنَ الْأَقْسَامِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
وَرَابِعُهَا: قَوْلُهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [فَاطِرٍ: ١] وَالْمَذْكُورُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ كَوْنُهُ خَالِقًا لَهَا، وَالْخَلْقُ هُوَ التَّقْدِيرُ، وَالْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ كَوْنُهُ فَاطِرًا لَهَا وَمُحْدِثًا لِذَوَاتِهَا، وَهَذَا غَيْرُ الْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّهُ أَيْضًا قِسْمٌ مِنَ الْأَقْسَامِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ.
ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ في سورة الأنعام كونه خالقًا للسموات وَالْأَرْضِ ذَكَرَ كَوْنَهُ جَاعِلًا لِلظُّلُمَاتِ وَالنُّورِ، أَمَّا فِي سُورَةِ الْمَلَائِكَةِ فَلَمَّا ذَكَرَ كَوْنَهُ فَاطِرَ السموات وَالْأَرْضِ ذَكَرَ كَوْنَهُ جَاعِلًا الْمَلَائِكَةَ رُسُلًا، فَفِي سورة الأنعام ذكر بعد تخليق السموات وَالْأَرْضِ جَعْلَ الْأَنْوَارِ وَالظُّلُمَاتِ وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الملائكة بعد كونه فاطر السموات وَالْأَرْضِ جَعْلَ الرُّوحَانِيَّاتِ، وَهَذِهِ أَسْرَارٌ عَجِيبَةٌ وَلَطَائِفُ عَالِيَةٌ إِلَّا أَنَّهَا بِأَسْرِهَا تَجْرِي مَجْرَى الْأَنْوَاعِ الدَّاخِلَةِ تَحْتَ الْبَحْرِ الْأَعْظَمِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فَهَذَا هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ: رَبِّ الْعالَمِينَ يَجْرِي مَجْرَى ذِكْرِ الدَّلِيلِ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ الْقَدِيمِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ كَمَا دَلَّتْ عَلَى وُجُودِ الْإِلَهِ فَهِيَ أَيْضًا مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الدَّلَالَةِ عَلَى كَوْنِهِ مُتَعَالِيًا

1 / 162