Sekolah Kebijaksanaan
مدرسة الحكمة
Genre-genre
إنه يقول في إحدى قطع «الفجر» التي جعل عنوانها «مملكة أخلاقية متوسطة»: «نحن تجارب، ونريد أيضا أن نكون كذلك!» ولقد كان نيتشه على وعي تام بوضعه التاريخي الخاص الذي جعله يقف بين عواصف الزمن وأمطاره كالحارس العنيد على بوابة تفصل بين عهد قديم وعهد جديد، ولقد بلغ هذا الوعي في السنوات الأخيرة من حياته درجة من التهور الذي لم يقف عند حد. لنستمع إليه وهو يقول في بداية الفصل الأخير من كتابه «هو ذا الإنسان» تحت هذا العنوان: لماذا كنت قدرا؟ «إنني أعرف نصيبي، سوف ترتبط باسمي ذكرى شيء مخيف، ذكرى أزمة لم يحدث مثلها على وجه الأرض ... لست بشرا، إنني ديناميت.»
قد نسمي هذا تطرفا أو تهورا، وقد نرجعه إلى مرض نفسي لا شك أن نيتشه كان يعاني منه، أو نعود به إلى الوحدة المطلقة الأليمة التي عاش فيها طوال حياته، أو إلى تجاهل معاصريه لأعماله الفلسفية والأدبية تجاهلا وصل في بعض الأحيان إلى حد الاحتقار، غير أن التطرف أو التهور لم يكن غريبا على نيتشه؛ فقد طبع حياته وأعماله منذ البداية بطابعه، كما كان لسحر هذا التطرف أثره الكبير على التجاهل الذي أصابه في حياته، والمجد الذي انهال عليه بعد موته، وطقوس العبادة التي قدمت إليه قبل الحرب العالمية الأخيرة من جانب الفاشيين (الذين أساءوا إليه كما قلت وظلموه ظلما لا ندري كيف يمكن التكفير عنه).
ومع ذلك كله فقد كان نيتشه - وهو الذي عاش حياته يحترم الإغريق ويستلهم منهم أنبل ما فيهم وأقوى ما فيهم - يعرف قيمة الحد والتوسط والاعتدال أفضل معرفة، وها هو يكتب في إحدى ملاحظاته التي وجدت بعد موته: «إيجاد الحد والوسط في أثناء السعي إلى تجاوز الإنسانية.» ولكنه كان يملك من الشجاعة ما يجعله يعترف بأن التزام الحد والتوسط شيء غريب عليه وعلى جيله. هل كانت طبيعته البركانية أقوى من كل الحدود؟ هل كانت «الرؤى والأصوات الغريبة» - التي كانت تتدفق عليه طوال حياته تدفق موجات الإلهام العارمة - هي المسئولة عن عدم التزامه بالحد والاعتدال؟ مهما تكن الإجابة على هذه الأسئلة التي يصعب الجواب عليها، فإن نيتشه يعترف في الحكمة 224 من كتابه «وراء حدود الخير والشر» بأن «الحد شيء غريب علينا.» ولا شك أنه يقصد بالحد شيئا يختلف كل الاختلاف عما يقصده أوساط الناس العاديين «بخير الأمور الوسط» أو بالاعتدال الذي يفهمون منه القناعة والطمأنينة والرضا بالقليل ؛ فقد كان دائم الاحتجاج على هؤلاء الأوساط والعاديين، دائم التمجيد للأفراد المستثنين غير العاديين. وما دام العاديون يحمون أنفسهم من سيطرة الغوغاء والشواذ على السواء، فسيكونون خصما جديدا للاستثنائيين، كما يقول في إرادة القوة. •••
يبدو كل شيء في حياة نيتشه وكأنه انجذب بسحر التهور والتطرف، وتمرد على كل القيود والحدود. والسنوات الإحدى عشرة التي عاشها بعد انهياره في مأساة تورين، أشبه ببقايا بركان محترق؛ تبدو هي أيضا بهولها وبشاعتها وقد جاوزت كل الحدود. لقد راح يغوص في لجة الجنون المعتمة كل يوم، ويرسل بعد الكارثة خطابات إلى معارفه وأصدقائه يسمي نفسه فيها قيصر أو ديونيزوس أو المصلوب، وحاولت شقيقته - التي طالما هاجمها الباحثون المحدثون بحق أو بغير حق - أن تخفي من أسرار مرضه الفظيع ما استطاعت. ولكن هل هناك ما هو أفظع من هذه الحكاية التي روتها على لسانه، وأوردها أندريه جيد في رسالة له عن نيتشه إلى إنجيل في العاشر من ديسمبر سنة 1898؟ فالأخت تقول: «إنه يتحدث معي، ويهتم بكل ما يراه حوله، وكأنه لم يصب أبدا بالجنون، غير أنه لم يعد يعرف أنه هو نيتشه، في بعض الأحيان لا أستطيع أن أحبس دموعي عندما أنظر إليه، وإذا به يقول: لماذا تبكين؟ ألسنا سعداء؟»
حاول نيتشه أن يشرح للناس لماذا هو قدر؟ ولقد عاش كالقدر، وأحب كل ما ساقه إليه القدر، ووجد سعادته الأخيرة في الرضا بالضرورة والقدر، ودفع الثمن الذي لا بد أن يدفعه كل من يجد في الفكر الشجاع الجاد مصيره ومسئوليته وقدره، فمرض وتعذب وجن واحترق، لم يكن له مفر من ذلك؛ لأن قدر المفكرين حزين.
العود الأبدي
أنتم تنظرون إلى أعلى حين تطلبون الارتفاع، أما أنا فأنظر إلى أسفل؛ لأنني مرتفع.
نيتشه، هكذا تكلم زرادشت
القسم الأول: عن الكتابة والقراءة «ماذا جرى لي يا أصدقائي؟»
أمس عندما اقترب المساء تكلمت إلى أشد ساعاتي سكونا: هذا هو اسم سيدتي المخيفة.
Halaman tidak diketahui