Sekolah Kebijaksanaan
مدرسة الحكمة
Genre-genre
über
كما يرد في الكلمة المركبة فوق الإنسان أو الإنسان الأعلى
über-Mensch, Superman
فليس الإنسان الذي يقصده نيتشه بهذه الكلمة إنسانا أضخم حجما أو أقوى عضلا من بقية الناس، ولا هو ذلك الوحش الأشقر الذي ظنت النازية البشعة أنها جاءت أخيرا لتحقيق وجوده على الأرض، بل هو في الواقع مرحلة تتجاوز مرحلة الإنسان الحاضر، وتتحقق فيها فكرة نيتشه عن إرادة القوة وتأكيد الحياة، وليس للإنسان الأعلى صلة من قريب أو بعيد بالبطل المحارب ولا بالعملاق القوي، وإنما يقترب أكثر ما يقترب من ذلك «الطفل اللاعب» الذي يتحدث عنه زرادشت.
الأمر إذن أمر تجاوز وعلو وارتفاع؛ تجاوز للإنسان الحاضر، وعلو فوق الأخلاق السائدة، وارتفاع على التركة الميتافيزيقية التي ورثها العالم عن أفلاطون. إن نيتشه لا يزال يتحرك - كما هو منتظر - في إطار الفلسفة الحديثة بوصفها ميتافيزيقا الذات التي تضع نفسها وتتمثل نفسها، تشهد على ذلك المواضع الكثيرة التي يمجد فيها الأنا المريدة الخلاقة، أعجب الأشياء ومقياس الأشياء جميعا (كما تقول قطعة معروفة في زرادشت في الفصل الخاص بسكان العالم الآخر)، ولكنه مع ذلك دائم البحث - كما لم يفعل أحد قبله أو بعده من مفكري العصر الكبار - عن المنابع الجديدة والآفاق الغريبة المجهولة، شأن الرواد والمكتشفين الذين لا تحلو لهم الحياة إلا بين مجاهل الكشف وأخطار الريادة! إنه يكتب في القطعة الأخيرة من كتاب «الفجر» تحت عنوان «نحن ملاحو الروح!» فيصف نفسه بأنه «كولومبوس» جديد، يوجه شراع سفينته نحو الغرب على أمل أن يكتشف الهند الجديدة، ولكن هل استطاع نيتشه - بعد أن اتجه بسفينته إلى الغرب إلى هناك «حيث غابت كل شموس البشرية» - أن يبلغ الهند، أي يبلغ الشرق الجديد أو يرى شطآنه على الأقل من بعيد؟!
مثل هذا السؤال لا يجاب عليه بلا أو نعم قاطعة، وتتعذر الإجابة كلما تصورنا مدى خصوبة فلسفة نيتشه وعمقها وتعدد مستوياتها وأبعادها، والأفضل من ذلك أن نحاول البحث عن نص يلقي بعض الضوء على السؤال. ها هو ذاته يقول في مقطوعة هامة من كتابه الكبير «إرادة القوة» يصور فيه حالة من حالات الصفاء والاتزان النادرة في حياته الفكرية العاصفة، ويعبر عن موقفه وهدفه الفلسفي فيقول: «الانتظار والاستعداد، انتظار تدفق الينابيع الجديدة، الاستعداد في ظل الوحدة للقاء الرؤى والأصوات الغريبة، تطهير النفس على الدوام من غبار السوق ومن ضجيج هذا الزمن، التغلب على كل ما هو مسيحي عن طريق شيء يتفوق على المسيحية ولا يكتفي بالتخلص منها، اكتشاف الجنوب في النفس من جديد ورؤية سماء الجنوب الساطعة الحافلة بالأسرار وهي تنتشر فوق رءوسنا، غزو الصحة الجنوبية والقوة الكامنة في النفس غزوا جديدا، أن يصبح الإنسان بالتدريج أكثر شمولا واتساعا ويصير عالميا وأوروبيا - وأكثر من أوروبي - وشرقيا إلى أن يصبح في النهاية إغريقيا؛ لأن الروح الإغريقية كانت هي التأليف والمركب الأول العظيم لكل ما هو شرقي كما كانت - لهذا السبب نفسه - مبدأ الروح الأوروبية: اكتشاف «عالمنا الجديد»، من ذا الذي يحيا وفق هذه التعاليم؟ ومن يدري ما الذي يمكن أن يحدث له ذات يوم؟ لعله أن يكون نهارا جديدا .»
إن نيتشه لا يتحدث هنا عن شيء يخالف المسيحية أو ينافي الروح الأوروبية ، ولا يذكر شيئا عن الضد أو العكس، بل يتجاوز جميع المواقف والأحوال والآفاق إلى ما وراءها، حيث ينتظره عالم جديد ونهار جديد، وهو لذلك في حاجة إلى منابع جديدة تروي عطشه الذي يفوق احتمال البشر: «الانتظار والاستعداد، انتظار أن تنبثق منابع جديدة.» أو كما يقول في إحدى القطع التي كتبها عن زرادشت: «أن ينتظر المرء عطشه ويتركه حتى يصل إلى أقصى مداه؛ لكي يكتشف منبعه.»
والمنبع شيء يتدفق من تلقاء نفسه. إن الإنسان لا يصنعه، فأقصى ما يملكه أن يحاول الكشف عنه وينتظر تدفقه، هناك لا يكون محل للذات المريدة المتسلطة، بل للصبر والتريث والانتظار، وعندئذ نتذكر البيت الأول من قصيدته عن «سلس ماريا»: «هنا جلست أنتظر وأنتظر، لكنني كنت أنتظر لا شيء»، «الاستعداد في ظل الوحدة للقاء الرؤى والأصوات الغريبة.»
وهل فعل نيتشه شيئا غير هذا في خلال السنوات العشر التي سبقت تخبطه في ظلام الجنون؟ ألم يبق مخلصا لطبيعته على الرغم من كل المواقف التي تفجرت فيها نزعته إلى الهدم والعدوان والتظاهر بالعظمة؟ وهذه الرؤى الغريبة، أيمكن أن تكون شيئا غير رؤياه عن عودة الشبيه الأبدية
4
Halaman tidak diketahui