Pengenalan Kepada Terapi Psikologi Eksistensial
مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي
Genre-genre
مقدمة
مقدمة
نظرة عامة
1 - مفاهيم أساسية
2 - المدارس الأخرى
3 - نظرة تاريخية
4 - الشخصية
5 - العلاج النفسي
6 - تطبيقات
خلاصة
Halaman tidak diketahui
المراجع
مقدمة
مقدمة
نظرة عامة
1 - مفاهيم أساسية
2 - المدارس الأخرى
3 - نظرة تاريخية
4 - الشخصية
5 - العلاج النفسي
6 - تطبيقات
Halaman tidak diketahui
خلاصة
المراجع
مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي
مدخل إلى العلاج النفسي الوجودي
تأليف
رولو ماي وإرفين يالوم
ترجمة
عادل مصطفى
مراجعة
غسان يعقوب
Halaman tidak diketahui
مقدمة
مؤسسة هنداوي منارة عالمية مهمتها توصيل النور إلى مستحقيه؛ أي إلى البشر جميعا؛ إذ تشرق على الجميع دون تمييز، تحدوها قيم الخير والحق والجمال، وهي غايات في ذاتها وثواب ذاتها، وهي نهايات لا شيء وراءها.
حين علمت أن مؤسسة هنداوي لا تهدف إلى الربح قلت: «وجدتها!» فقد آليت على نفسي منذ سلكت طريق الكتابة أن أقدم جهدي بروح الرسالة ومنطق الخدمة، غير فارك كفي تلمس ثمن، وأن أكسب لقمتي من مصدر آخر غير خبز الهيكل؛ فمارست الطب سحابة يومي، وقمت ليلي أبث القارئ حديثا لا يميل به الغرض ولا يمذقه الارتزاق.
ثمة خيط واحد يصل أعمالي جميعا على تفاوتها الظاهري الشديد؛ ثمة هم واحد هو تأهيل العقل العربي وإيقاظه من سباته التاريخي الذي طال كثيرا، تأهيله «بالمنطق القويم والفهم السليم والفكر النقدي، لكي يتقبل الحداثة، والحضارة، والتعددية، ولا يعود ينفر من الآخر، ويجمد الزمن، ويهرب من الحرية».
توطئة
بقلم د. غسان يعقوب
هذا الكتاب يختلف عن باقي الكتب، فهو ليس كتابا للتسلية وقتل الوقت؛ إنه كتاب يهز عقلك ووجدانك؛ لأنه يبحث في أهم مسائل وجودك: من أنت؟ من تريد أن تكون؟ ما هي خبرتك في الوجود؟ كيف تختار مصيرك وتبني هويتك؟ كيف تواجه السأم والحزن والعزلة وتفاهة الحياة وقلق الموت؟ كيف تكون حرا ومسئولا في آن معا؟
هذه التساؤلات الكبرى أو الهموم النهائية يجيبك عنها العلاج النفسي الوجودي الذي يشكل محور هذا الكتاب.
كثير من الناس يعيشون كالقطعان .. إنهم يأكلون ويشربون ويبحثون عن إشباع غرائزهم وحاجاتهم المادية، وقلما يبحثون عن ذواتهم. إنهم يهربون من مواجهة الذات ومن العزلة، ويخافون المرض والموت. لذا، فهم يجدون الأمان في الامتثالية الجماعية وفي الهروب من الحرية والمسئولية، وما علموا أنه في القلق الوجودي يتفتح الوعي وتنمو الإرادة ويسمو الوجود. حيث تكون كنوزك يكون قلبك، وكنوزك هي نفسك. إن هناك صوتا يهتف لك: قم وانهض، فهناك شيء ما ينتظرك في هذا العالم وعليك أن تقوم به. لا تقل: لا أقدر. كل إنسان يختار ما سيكونه. فإذا اخترت الهزيمة لنفسك، فعليك أن تتحمل النتائج. لا تخف من القلق ومن الوحدة. ضع أمامك هدفا تسعى إليه. أعط معنى لوجودك حتى تشعر بقيمة الحياة. إنما يحدد الإنسان بأهدافه، كما يقول سارتر. معظم المرضى الذين نعالجهم يعيشون دون هدف واضح ودون رؤية مستقبلية. إنهم يجترون الماضي بصوره الداكنة، وهم يشعرون بتفاهة الحياة التي تبدو لهم وكأنها مجردة من أي معنى.
إن الحصاد موجود هنا وهناك، ولكن الفعلة قليلون. فالحياة حياتك. ومن العار عليك أن تقبل بالهزيمة والاستسلام. أنت مسئول عما حل بك. فلا تلم القدر ولا تلعن الآخرين، بإمكانك أن تختار، أن تعيد النظر في خبراتك السابقة، أن تتخطى نفسك وتفتح صفحة جديدة في حياتك. فهل حاولت ذلك مرة واحدة؟ لا تقل: أنا مكتئب وقلق وخائف وفاشل، بل قل: لدي شيء من الاكتئاب والهم والخوف مثل بعض الناس، وسوف أحاول أن أبدل نمط تفكيري وأسلوبي واختياري في الحياة. ليس هناك إنسان فاشل تماما إلا إذا هو اختار الفشل لنفسه كنمط أساسي لوجوده.
Halaman tidak diketahui
الصديق الدكتور عادل مصطفى المشهود له بالثقافة الواسعة والموهبة الأدبية وجد من المفيد أن يضع هذا الكتاب بين يدي القارئ العربي. لقد أحسن الاختيار وأجاد في الترجمة. إنه لكتاب قيم يفيد منه الأصحاء والمرضى، فهو يعطيهم القناعة بأنه يمكنهم الخروج من النفق إلى النور، ومن الهزيمة إلى النصر، ومن الخوف إلى الشجاعة، فالشجاعة هي في أن تحيا، وتتحمل الحياة، وتحقق وجودك الحر في هذا العالم.
«سواء أكانت الحياة كفنا أم شرنقة، فإن على كل إنسان أن يحوك حياته بنفسه.»
ألكسندر إليوت، آفاق الفن «... ذلك الانتساب الذي يهتف بنا حين نصحو في الصباح: لك شيء في هذا العالم، فقم.»
غسان كنفاني، الرسائل «فقد ينبغي أن تفهما يا ابني أن كل واحد منا يلقى أول الشباب وحشا قائما يريد أن يأخذ عليه الطريق. وهذا الوحش يا ابني يعرض على كل واحد منا سؤالا خاصا، فاعلما أن هذه الأسئلة مهما تختلف فإن جوابها واحد لا يتغير. نعم! ليس هناك إلا جواب واحد لهذه الأسئلة كلها، وهذا الجواب هو «الإنسان»، وهذا الإنسان الفرد بالقياس إلى كل واحد منا هو شخصيته.»
أندريه جيد، أوديب «الضمير هو الصوت الذي يهتف بالإنسان في سرية وصمت أن يستخلص نفسه من تشتت خسران النفس، ومن الاستغراق في «الناس»، لكي يأخذ على عاتقه مسئولية أن يكون نفسه. إنه نداء النفس لنفسها من الخسران إلى الأصالة.»
1
هيدجر، الوجود والزمان
مقدمة
آثرت في هذه التقدمة أن تكون تتمة لملامح العمل الذي تتناوله أكثر مما تكون تكرارا له أو تنويعا عليه. فالنص الذي بين يديك هو عجالة موجزة في العلاج الوجودي، فيه من عيوب الاختصار ومزاياه. فمن عيوبه أنه لا بد تارك جوانب يجمل استيفاؤها كيما تكتمل الفائدة ويتم القصد، وهو ما حاولت جهدي أن أقوم به في هذه التقدمة التي أعلم أنها لا تسلم من العسر والإفاضة.
1
Halaman tidak diketahui
ومن مزاياه أنه يترفق بالقارئ المعاصر، المتعجل بطبعه، فيقدم له ما قل ودل، ويدخل به إلى صميم الموضوع من أقصر طريق، ويقدم إليه زبدته في قبضة واحدة، دانية سائغة سهلة الهضم، على وعورة الموضوع وعمقه في واقع الأمر.
وقد اتفق لهذا العمل ميزة ثانية تأتيه من طريق آخر غير طريق الاختصار. فقد قام بوضعه اثنان من أساتذة العلاج الوجودي كلاهما حجة فيه وإمام، بل رائد ومؤسس لهذا الصنف من العلاج في زمننا المعاصر، مما يمنحك الثقة أن النبع أم والورود حميد، وأنك على الخبير سقطت.
لكأن المدرسة الوجودية تقدم للعلاج النفسي بعدا ثالثا وتضيف إليه عمقا جديدا. والطريف في أمرها أنها لا تجحد فضل المدارس الأخرى ولا تلغيها، بل تبقي عليها وتفيد من إسهاماتها، وتوغل من تحتها إلى أعماق ما خطرت ببال رواد المدارس الأخرى؛ ولسان حالها يقول: «ما جئت لأنقض؛ بل لأكمل.» فالدوافع الفرويدية والأدلرية، والإشراط السلوكي، ونماذج يونج البدئية، والصيغة الاجتماعية البينشخصية
interpersonal
إلخ، كل أولئك كشوف ثمينة وخطوط هامة. غير أنها تتركنا مع صورة للمريض غير مكتملة ... صورة باهتة غائمة، لا عين فيها ولا تعبير. صورة تجوز على كل مريض ولا تميز أي مريض. زد أنها صورة مستوية ينقصها العمق ... البعد الثالث ... البعد الوجودي.
تأتي المدرسة الوجودية لكي تكمل هذه الصورة الغفل، وتهيب بالطبيب النفسي أن يتثبت في كل لحظة أنه يرى المريض الفرد على ما هو عليه، لا أنه ببساطة يسقط عليه ما حفظه من نظريات، ويرجع عليه ما تجرعه من دروس، وأنه ببساطة يراوغه ويناوره كي يوقعه عاجلا في شبكة التشخيص.
من الألفاظ التي يكثر تداولها بين الوجوديين لفظة
Dasein ، ولفظة
Daseinanalysis ، ولفظة فينومينولوجيا. أما كلمة
Dasein
Halaman tidak diketahui
فقد ترد كما هي بالألمانية، وتعني حرفيا «الموجود-هناك» (والموجود هنا أيضا)
There-being ، أي الموجود العيني المتحقق أو المتشخص، أي الإنسان .. الوجود الجزئي المتعين المحدد كوجود الإنسان الفرد. وقد تنقل إلى تعبير «الوجود الإنساني» أو «الواقع الإنساني» دون إخلال كثير بالقصد. وقد تنقل كذلك إلى «الوجود-هنا والآن» لتضفي شيئا من معنى الحضور الإنساني المباشر الذي تحمله اللفظة الألمانية الأصلية. ومن ثم يكون تعبير
Daseinanalysis
هو التحليل الوصفي لوجود إنساني بعينه في موقف محدد والإبانة عنه. أما «الفينومينولوجيا» فهي المنهج الذي يتم به هذا التحليل. (1) هوسرل والفينومينولوجيا
يدين جميع المفكرين الوجوديين بالفضل لجهود الفيلسوف الألماني إدموند هوسرل
Husserl
مؤسس المنهج الفينومينولوجي في القرن العشرين، الذي تحول من منطقي إلى فيلسوف بحت إلى مفكر وجودي في أواخر أيامه. والفينومينولوجيا مصطلح وثيق الصلة بالمدخل الوجودي إلى الإنسان وموقفه وعالمه. فهي منهج المفكر الوجودي وأداته، وهي سراطه السوي الذي لا يحيد عنه في تقصي الوجود الإنساني وفك مغاليقه. يمكن أن نعرف الفينومينولوجيا بأنها علم «الذاتي» ... التحليل الوصفي للعملية الذاتية ... تحليل الأشياء كما تتمثل في الوعي الإنساني وتتراءى له وتتبدى فيه. ليس الوعي بالنسبة إلى العالم الفينومينولوجي وعاء غامضا يحوي التمثلات، أو إناء سلبيا يحمل الخبرات، بل هو فعل قصدي
intentional
بكل معنى الكلمة ... عملية وصل الذات أو ربطها بالموضوع، ذات تراود موضوعا وتقصده وتعنيه وتلتحم به التحاما وإن يكن حرا. وما دام الوعي الإنساني عملية قصدية فكل فعل بشري هو شيء مدفوع، ولكنه مدفوع من الداخل، يحدده الشخص ذاته بحرية تامة في ضوء ما ينتقيه من الأشياء ويراه ذا بال وشأن وقيمة. هذه «القصدية» في الكائن البشري هي التي يشكل بها واقعه، ويصوغ بها ماضيه، ويؤسس بها مستقبله ويومه وساعته التي هو فيها.
أراد هوسرل من منهجه الفينومينولوجي أن يرفع الفلسفة إلى مرتبة العلوم الدقيقة بأن يجعلها دراسة للمعاني والماهيات الخالصة، أو رؤية الماهية في الشعور.
Halaman tidak diketahui
2
والخطوة الأولى في هذا المنهج هي أن نتخلص من كل الأحكام المسبقة، ونستبعد كل ما من شأنه أن يتداخل مع الرؤية الصافية ويتطفل على المعطيات الواقعية المباشرة؛ من اعتقادات دوجماطيقية وفروض عقلية ومفاسد لغوية وعادات عملية ونظريات علمية، ووضع كل ذلك بين أقواس «التوقف عن الحكم أو الإبوخيه
epoché » بحيث لا يتحدث إلا الشيء المعطى مباشرة. كذلك نتوقف عن الحكم على «وجود» هذا الشيء مهما بلغت درجة وضوحه، فالفلسفة بوصفها معرفة بالماهيات لا يعنيها الوضع الوجودي للموضوعات المتأمل فيها، ولا ذلك داخل في مجال دراستها.
بعد أن تخلصنا من كل الزوائد المقحمة على الرؤية الخالصة يبقى لنا الشعور المحض ... العيان المباشر، فنلتجئ إليه بوصفه الأداة الوحيدة لإدراك الواقع في صفائه التام، وتأمله بوضوح وتجرد، وتفرسه بدقة ومرونة، وتحديد معالمه وتفاصيله وأحواله، وتحويل ما هو ماثل إلى ماهية؛ فمن تمثلات الأحمر المختلفة نخلص إلى ماهية الأحمر، ومن أفراد البشر العينيين نخلص إلى ماهية الإنسان ... إلخ. وتسمى هذه الخطوة «الرد الماهوي»
eidetic reduction
وهو يتقاطع مع صنف آخر من الرد هو «الرد المتعالي»
transcendental reduction
وبه تتحول المعطيات في الشعور الساذج إلى ظواهر متعالية في الشعور المحض. بذلك يمثل الشعور المحض علوا أو تجاوزا
transcendence
من نوع خاص داخل تيار التجارب الحية، ويمارس نشاطا بنائيا تجاه المعطيات الواقعية، ويجمع بين الصبغة المثالية المتعالية
Halaman tidak diketahui
transcendental idealism
وبين الموضوعية العلمية الدقيقة. (2) الفكر الوجودي
للفكر الوجودي جذور ضاربة في عمق التاريخ. فالملامح الوجودية لا تخفى على من ينظر إلى فكر سقراط وسابقيه، والقديس أوغسطين
Augustine ، والحلاج، ودانتي
Dante ، وبسكال
، وبعض الرومانتيكيين الألمان. وصولا إلى أواسط القرن التاسع عشر حيث بدأت النبرة الوجودية تعلو وتتحدد. نتبينها في بعض أعمال دوستويفسكي
Dostoevsky
إذ يشرح الآثار الاستلابية لعصر التقدم الصناعي المفتون بالنزعة العلمية المتطرفة
scientism ، ويصدع بالحرية والمسئولية في وجه المجتمع الكتلي المتشرب بالامتثالية الاجتماعية والفلسفة الطبيعية العلمية. وتبلغ النغمة الوجودية ذروة عالية في كتابات المفكر الألماني فردريك نيتشه
Nietzsche
Halaman tidak diketahui
الذي التقت فيه ملكات الفيلسوف والشاعر وعالم النفس في أصفى صورها وأسماها، وحمل حملة شعواء ضد الزيف المتوطن في هذا العصر الحديث وأهله الذين استمرءوا الأفكار الاتفاقية والرضا الذاتي وزين لهم خداع النفس أن يعيشوا في عالم منقسم يعاني صدعا متفاقما بين المثال والواقع؛ بين اليقين والإلحاد.
أما المؤسس الحقيقي للوجودية المعاصرة فهو المفكر الدنمركي سورين كيركجارد
S. Kierkegaard
الذي توفي عام 1855م بعد حياة قصيرة براقة تاركا تراثا مكتنزا في الأدب الموقظ والفلسفة الجادة والفكر الديني العميق. وما يزال فكره السيكولوجي معينا ثرا وثورة علمية لا تخمد. قام كيركجارد في كتابه المبكر «إما-أو» بتحليل مبدأ اللذة كما يتمثل في الحياة اليومية للفرد، والحافز الشبقي المتواري خلف عديد من مظاهر السلوك، وآليات خداع النفس والأوضاع الدفاعية والدوافع الخفية. كل أولئك يضعه بين علماء سيكولوجيا الأعماق موضعا متقدما سابقا لزمنه سبقا مدهشا. ولديه في التحليل الذاتي ارتيادات تكشف أنه امتلك فهما إكلينيكيا لأزمة الهوية وللآليات اللاشعورية للضمير. تمدنا هذه التحليلات الذاتية أيضا بإطار لفهم الدفاعات والمتلازمات العصابية.
في تحليله للسأم
3
على سبيل المثال يميز كيركجارد بين نوعين منه:
الأول: هو السأم القصدي، أي ملال المرء من موضوع معين أو حدث محدد أو شخص يجالسه. وهو ظاهرة سطحية لا تعبر عن موقف المرء الجوهري. إنه صنف هين من الملل له وجاهته وله علاجه الفوري الناجع. أما النوع الثاني: فهو الملال الحقيقي البحت ... ملال المرء من نفسه ، وإحساسه بفراغ رهيب غريب يهدد الحياة نفسها بفقد معناها. إنه وعكة روحية أو هستيريا روحية تجبه المرء بهاوية من الخواء وانعدام المعنى. والعجيب أن المرء في الأغلب ينكر حالته المرضية هذه ويندفع لا شعوريا إلى مداراتها بشتى ألوان النشاط الكاذب، وإلى التهرب من نفسه بشتى ضروب التلهي والتعلل والتسلي. إنها تلهيات خائبة توفر هجوعا مؤقتا للسأم لكيلا يلبث أن ينهض أوفر صحة وأشد عرامة. إنه دوران في المحل لن يؤدي إلى شيء؛ اللهم إلا لمزيد من السأم. إنه نشاط بائس يائس أشبه بتشنج الذبيح، نجد نموذجه الأمثل في نيرون الذي تفنن في الملذات بدافع السأم، وأحرق روما بدافع السأم. غير أنه نموذج يشملنا جميعا ولا يعفينا؛ فكلنا نيرون «لحمه من لحمنا وعظمه من عظمنا». ولن يكون للمرء مخرج من هذه الدائرة الأكولة إلا بالتوجه إلى باطنه (الاستبطان) لاكتشاف ذاته الحقيقية واستردادها، والعلو إلى الجد والوجدان والحرية والالتزام واتخاذ القرار. فبهذه النقلة فقط يكون بوسع المرء أن يلم شتاته ويجمع ذاته المتناثرة في الوجود ويصبح ذاتا متكاملة موحدة. فالتكامل عملية لا حالة ... سعي وكدح، والتكامل ينجز ولا يوهب. والذات لا تحقق تكاملها ووحدتها إلا بالاختيار الحر. فالاختيار يقتضي الحرية و«إما-أو». وفي هذا يكمن الكنز الأكبر الذي يمكن للمرء امتلاكه. إنه الغنى الخالص الذي يجعل المرء غير مدين لغيره، ويجعله أغنى من العالم بأسره. أن يكون المرء نفسه ... أن يختار نفسه ... أن يسترد نفسه، «ذلك هو الكنز المخبوء داخل المرء، فهناك «إما-أو» يجعل الإنسان أعظم من الملائكة.»
4
ويعود كيركجارد في كتابات عديدة إلى تحليل السأم والقلق والتردد والعبث والالتزام وعدم الالتزام. وقد دأب في كتاباته على أن يقارب الحقيقة الإنسانية في صورتها الفردية الشخصية، وأن ينأى عن الحديث بصيغة المجرد أو الإنسان العام؛ كان دائم القول «وجودي» بكل ما تعنيه الصيغة من خصوصية وتعين وتفرد. وقد بلغ منهجه الاستبطاني غاية العمق في كتابه «من المرض إلى الموت» الذي يقدم فيه تحليلا وجوديا بارعا للاكتئاب ما يزال يطبق على نطاق واسع في مجال العلاج النفسي الوجودي. ورغم أن علاجه الخاص كان مؤسسا على الخبرة الدينية ومعاينة نفس خالدة، فإن استبصاراته الإكلينيكية المتعلقة باليأس وعذاباته يمكن أن تتحول إلى استراتيجية علاجية ذات توجه طبيعي.
Halaman tidak diketahui
إن توكيد كيركجارد على أولوية الوجود والذاتية والنمو الشخصي والحدود الإنسانية يجعل منه أبا ومعلما لجميع المفكرين الوجوديين في القرن العشرين. وتبقى رائعته الكبرى هي سيرته الشخصية ذاتها وطريقته الرواقية في مواجهة مصيره المعقد، يورثها للأجيال من بعده ثروة نفسية وذهنية لا تنفد. «لقد مات، في نظر المؤرخ، بعلة قاتلة. ومات، في نظر الشاعر، من شوقه الملتهب إلى الأبدية».
5
تأصلت أفكار كيركجارد بعمق في تأملات عدد من الكتاب الفرنسيين والألمان في النصف الأول من هذا القرن وربما بعد ذلك.
فقد اجتذب جبرييل مارسيل
G. Marcel
الأنظار في الأوساط السيكولوجية والطبنفسية باستبصاراته الإنسانية الثاقبة في عدد من المسائل الوجودية. وترك تأملات عميقة في الموقف الإنساني، وفي الجسد بوصفه صلة الإنسان بالوجود، وفي البنوة والولاء الإبداعي والانتحار. وما يزال توكيده على البينذاتي
intersubjective
وعلى المشاركة يتجاوب مع اهتمامات المعالجين الوجوديين حتى اليوم.
شارك مارسيل في الوجودية، شأنه شأن سارتر، بأدبه المسرحي الذي ساعد على انتشار الوجودية بين سواد الناس، مما أفادها في الذيوع، وإن أساء لها من جانب التلقي السطحي المعهود لدى عامة الجمهور. «على أن لمارسيل فضلا بارزا في تحليلاته الفلسفية الدقيقة، خاصة في كتابه «يوميات ميتافيزيقية»، وفي عنايته بمسألة الملك والوجود، وتمييزه بين كليهما ورفعه الوجود فوق الملك.»
6
Halaman tidak diketahui
ولعل ألبير كامي وجان بول سارتر هما أعرض الوجوديين شهرة وأبعدهم صيتا. والحق أن كامي
Camus
لا يعد وجوديا بالمعنى الدقيق إلا في كتاباته الأولى. ويعتبر كتابه «أسطورة سيزيف» ارتيادا سيكولوجيا هاما. يرتكز فكر كامي على مفهومي اللامعقول والثورة. وهو يشبه الإنسان في الحياة بسيزيف الذي عاقبته الآلهة بحمل الصخرة الثقيلة إلى قمة جبل ما يكاد يبلغها حتى تسقط، ويكون عليه أن يعيد الكرة إلى غير نهاية. وقد كان يطيب الأمر لو أن الفتى حجر مثل أحماله، ولكنه للأسف محكوم بالوعي أو الشعور الذي يسومه سوء العذاب كلما خلا إلى نفسه وتجلى له العبث وأطبق عليه؛ إنه يعمل كل يوم نفس العمل ويكرر نفس المشهد، وهو يعمل ليقتات ويقتات ليعمل، إلى غير نهاية، اللهم إلا الموت. إنه سيناريو لا معقول ونهاية لا معقولة لكل موجود.
أما سارتر
Sartre
فقد اشتهر بتعدد الملكات، فهو كاتب قصة ورواية ومسرحية وسيرة ذاتية ونقد أدبي ونصوص فلسفية. في عام 1943م وضع سارتر سفرا ضخما عويصا هو «الوجود والعدم» كان له - وما يزال - تأثير عظيم في مجال الطب النفسي الوجودي. وربما يقرأ هذا العمل لتحليلاته النفسية أكثر مما يقرأ لتأملاته الأنطولوجية. أخذ سارتر عن هيدجر التيمات
themes
الكبرى في الوجودية فصاغها صياغة جذابة فتنت العامة والخاصة. وله نظرات فينومينولوجية رائعة في الجسد والجنسية والرغبة والسادية والمازوكية والمواقف العدائية والدفاعات العصابية التي يسميها
mauvais foi ، وفوق كل ذلك تحليلاته الشاملة الوافية للحرية والمسئولية. (3) بعض مبادئ الوجودية
لا تفهم الوجودية
Halaman tidak diketahui
Existentialism
إلا بنقيضها: الماهوية
essentialism . فالمقولة الرئيسية التي تنسب لسارتر «الوجود يسبق الماهية» لا تفهم حق الفهم إلا بنقيضها «الماهية تسبق الوجود». لقد كانت الفلسفات الكبرى في التاريخ فلسفة ماهيات
essences ،
7
بمعنى أن للإنسان طبيعة وماهية سابقة على وجوده، تطبعه بطابعها وتقولبه بقالبها، كما أن فكرة التمثال في خيال المثال تسبق عملية نحت التمثال وتشكيله، وتصميم المبنى في مخطط المهندس يسبق بناءه وتنفيذه. الإنسان الفرد إذن إن هو إلا نسخة جزئية لمثال كلي مسبق، أو نموذج قبلي عام هو الطبيعة الإنسانية التي تشمل كل أفراد البشر. فجاء سارتر ليعكس الآية ويقول: بل الوجود هو الأصل وهو السابق. فالإنسان يوجد أولا ثم يتحدد بعد ذلك. وليس هناك طبيعة إنسانية موجودة سلفا أو ماهية مسبقة تفرض نفسها على الإنسان وتصبه في قالبها ضربة لازب، بل الإنسان هو الذي يخلق ماهيته. فالإنسان في أول وثبته نحو الوجود ليس شيئا. لقد قذف به إلى عالم غير مكترث، فهو في وضع مستيئس وعليه أن يختار ويفعل دون أية مرجعية. إنه يوجد أولا غير محدد بصفة ثم يغمد نفسه في المستقبل ويبرأ ماهيته بنفسه عن طريق اختياراته ومقاصده وأفعاله التي يؤديها عن حرية هي نظير المخاطرة، لأنه يؤديها دون أية قاعدة مسبقة ودون أية ضمانات. إنه ينحت هويته كل لحظة ويصنع تعريفه ويخترع طريقته في الوجود. إنه مشروع دائم يظل يتحقق ولا يكتمل إلا بالموت.
الإنسان إذن كائن «محكوم عليه بالحرية»
condemned to be free
يمارسها عن طريق اختيارات يقوم بها في كل لحظة. فالاختيار حتم. حتى عدم الاختيار هو نوع من الاختيار أو هو اختيار مقنع. وما دام الإنسان حرا مختارا فهو مسئول عن وجوده وعما يكون عليه. المسئولية هي توأم الحرية. وهذه المسئولية ليست وقفا عليه بوصفه فردا؛ بل تمتد لتشمل الناس جميعا، فالإنسان يختار للآخرين فيما يختار لنفسه ويفعل للآخرين فيما يفعل، لأنه باختياره وفعله هذين يرسم الإنسان كما يرى أن يكون، ويدس «القيم» في قلب العالم. وبتشكيله لصورته يشكل في نفس الوقت صورة الإنسان بعامة. وحين يختار قيمة أو فعلا ما فإن ما يأتيه يمس الآخرين بالضرورة وينعكس عليهم. المسئولية إذن باهظة ثقيلة لأنها تمس الناس جميعا. ومن ثم ترتبط الحرية والفعل الحر دائما بالكرب والقلق. «القلق دوار الحرية». وهو مما ينزغ للإنسان أن يضع عن كاهله عبء الحرية والمسئولية، وأن يخفض نفسه من مرتبة «الوجود لذاته»
being-for-itself - الوجود الإنساني الحر الواعي بذاته - إلى مرتبة «الوجود في ذاته»
Halaman tidak diketahui
being-in-itself ... وجود العجماوات والجمادات الغارقة في سبات الضرورة وسكينتها.
هذا النزغ هو الذي يسميه سارتر
mauvais foi . وهو لون من خداع النفس يزين للإنسان العبودية والاستسلام باعتباره مسيرا غير مخير، وضحية قوى بيولوجية وتاريخية واجتماعية حتمية قاهرة ليس له فيها يد، وكأنه مجرد «شيء» من الأشياء أو «موضوع»
object
من الموضوعات. ويمعن سارتر في توكيد الحرية إلى أقصى مدى. فيقول: إن الإنسان إذ يتمتع بالوعي الذاتي، فإن بإمكانه أن يعي حتى أسباب فعله ومحددات سلوكه، وهو خلال هذا الوعي الانعكاسي يقف على دوافعه ويراها، ومن ثم يمتلك زمامها ويصبح حرا إزاءها وفي حل من اتباعها. إن الكائن البشري محكوم عليه أن يوجد خارج ماهيته وخارج دوافعه وأسبابه.
يقول سارتر إن هذا ليس تشاؤما؛ بل هو الوضوح والصرامة المتفائلة، والعزوف عن التعامي والتعتيم على النفس التماسا للسكينة الرخيصة والأمل الكاذب. فالفكر ليس عبدا «يخدم على» أهوائنا ويعمل على راحتنا واسترخائنا. بل هو وظيفة بشرية تتعلق بتعرف الحقيقة كما هي وإماطة الوهم كيفما كان. والحقيقة هي أن مصير الإنسان قابع داخل نفسه، ومن ثم فالشيء الوحيد الذي يمكن الإنسان أن يعيش حياة جديرة باسمها هو الفعل الحر والالتزام المسئول.
إذا انتقلنا الآن من فكر سارتر إلى متضمناته السيكولوجية أمكننا القول: إن النظام الاعتقادي للمعالج النفسي (فلسفته) وتصوره لطبيعة البشر - من حيث هو تصور «وجودي» أو «ماهوي» - يؤدي بالضرورة إلى تباين بعيد في تعريف السيكوباثولوجيا (علم النفس المرضي) وفي تصنيف الشخص المتعين أمامه من حيث الصحة والمرض، وبالتالي في اختيار التدخلات العلاجية الأنسب. «لا فكاك من الفلسفة» .. قالها المعلم الأول قديما، وها هي تفرض نفسها في سياق الحديث عن العلاج النفسي: إن المعالج النفسي غير المستنير فلسفيا هو معالج ناقص؛ بل خطر. وربما يؤذي من حيث يريد أن يصلح، ويهدم من حيث يريد أن يبني. (4) ميرلو بونتي
ويعد موريس ميرلو بونتي
M. Merleau-Ponty
المتوفى عام 1961م، آخر الفلاسفة الوجوديين الكبار في فرنسا. تلقى ميرلو بونتي تدريبا سيكولوجيا. ودرس السيكوباثولوجيا والتحليل النفسي دراسة جادة. وكان لعمله المبكر «فينومينولوجيا الإدراك» أثر بعيد في الطب النفسي والنظرية النفسجسمية. وفيه يقدم تحليلا عميقا للإدراك، ولدور ما أسماه «الذات الجسمية». يرى ميرلو بونتي أن الجسم الحي يتميز بالخصائص التي نسبها الفلاسفة الأوائل للخبرة وللوجود. وهو يتصور الجسم ليس فقط بالطريقة التي يتصورها الفسيولوجيون، ولكن أيضا بوصف أن الجسم «يقصد» وظيفيا إلى أحداث خارجية مرتبطة. وكان ميرلو بونتي على دراية كبيرة بحالات عطب الدماغ وسيكوباثولوجيتها ومشكلات التحليل النفسي. وهو يتحدث في كتابته باللغة الإكلينيكية للطبيب النفسي محتفظا في نفس الوقت بوضعه كفيلسوف حرفي قدير. (5) كارل ياسبرز
Halaman tidak diketahui
كان أول الأساتذة الألمان استجابة لرسالة كيركجارد هو كارل ياسبرز
Karl Jaspers
الطبيب النفسي والفيلسوف الذي توفي عام 1969م بعد حياة أكاديمية طويلة ومجيدة. أمضى ياسبرز سبع سنوات فقط في مجال الطب النفسي الإكلينيكي في هيدلبرج قبل أن يلتحق بكلية الفلسفة. غير أنه تمكن خلال هذه السنوات القليلة من وضع كتاب «علم السيكوباثولوجيا العام» الذي كان وما يزال ذا مكانة مرموقة وتأثير هائل في حقل الطب النفسي. وعجيب الأمر أن هذا الكتاب، رغم نهجه الفينومينولوجي، لم تشبه شائبة من فلسفة الوجود عند ياسبرز التي استغرقته بعد ذلك وأهلته للتأثير الكبير في الفكر الوجودي. كان تركيز ياسبرز الفيلسوف منصبا على الإنسان الوجودي؛ عالمه، مواقفه الحدية، لقائه بالحقيقة، بحثه عن حدود المنهج والنظرية، ممكناته الترنسندنتالية. كان ياسبرز عقلا صارما يحذر من اختزال الإنسان في نظرية، ويحذر أكثر من ذلك من تشييئه عن طريق الاستلاب التكنولوجي. وسوف تظل أعماله محتفظة بقوة باقية وشباب دائم، وستبقى العلوم الإنسانية كلها مشغولة بنظراته وتساؤلاته، وفي حوار لا ينقطع مع فكره العميق النافذ. (6) هيدجر والقلق الوجودي العميق
8
لا يكاد يبرأ مفكر وجودي معاصر - من الذين ذكرنا أسماءهم أو لم نذكر - من أثر كبير أو صغير لفكر الفيلسوف الألماني مارتن هيدجر
M. Heidegger
الذي كتب عام 1927م تحفته الكبرى «الوجود والزمان» فكان له السيادة والريادة على الفكر الوجودي غير مدافع. ويعد كتابه بحق إنجيل المدرسة الوجودية بأسرها. دفع هيدجر في كتابه الوعر بكنز طائل من الأفكار والمصطلحات الجديدة صار بعضها من الرواسم (الكليشيهات) الشائعة والتيمات الرائجة في الكتابة الحديثة.
انتهج هيدجر المنهج الفينومينولوجي فأسس فلسفة في الوجود الكلي أو الأنطولوجيا تقوم على تحليل الوجود المتعين المفرد
Dasein
بوصفه مدخلا لمبحث الكينونة ذاتها مختلطا بها ومشتركا معها في الحدود. وأول ما يتصف به هذا الوجود المتعين المفرد هو «الوجود-في-العالم». هذا هو القوام الوجودي الأساسي للكائن البشري. يجب أن نفهم «الوجود-في-العالم» كظاهرة واحدة غير مجزأة. فالوجود الإنساني ليس راقدا في العالم رقود حصاة على الشاطئ، ولا هو سابح فيه سبح سمكة في البحر. بل هو معطى في سياق العالم، مخلوط بالعالم،
Halaman tidak diketahui
9
بحيث يجد في متناوله الأشياء التي يستطيع أن يتناولها ويتخذها أدوات، ويجد نفسه في ذات الوقت محددا بالأشياء التي يجب أن يعاني منها. المكانية
spatiality
إذن شيء مستمد من الحالة الأولية للوجود-في-العالم.
يترتب على هذا القوام الأساسي للكائن الإنساني نتائج بعيدة الأثر، أهمها انتفاء الثنائية التقليدية بين الذات والموضوع، تلك الثنائية التي استهلها أفلاطون وعمقها ديكارت وكرسها تكريسا نهائيا فبقيت صدعا في الفكر الغربي وعائقا عطل علم النفس والطب النفسي قرونا عدة. لقد حل هذا القوام الجديد «الوجود-في-العالم» محل النماذج المغلقة للذهن جميعا، سواء نماذج الذاتية المحضة أو نموذج الصندوق المغلق ذي المدخل
input
والمخرج
output ، أو نموذج الذهن الداخلي المطبوع بتمثلات لما هو قائم بالخارج. الوجود الإنساني إذن ممزوج بعالم «مضروب» به! بحيث إن هناك عنصرا من العالم داخلا في صميم وجودنا؛ آفاق بلادنا ... مساكننا، مناظرنا الطبيعية؛ هي نحن. وما الطبيعة والأشياء القائمة هناك إلا أفكار بعدية لاحقة تأتي بعد حضورنا المباشر داخل العالم وتلحق عليه.
ويتصف الوجود الإنساني أيضا بأنه انبثاق وصيرورة
becoming . فالإمكان هو جوهر الوجود الإنساني. فما الإنسان على الحقيقة إلا ممكناته. الإنسان مشروع نفسه باستمرار. ومن ثم فالمستقبل هو اللحظة الجوهرية في وجوده. أن يعيش المرء يعني أن يتولى امتلاك مشروع وجوده الخاص، أن يكون مشدودا بهدف مستقبلي هو الذي يملي عليه ما يفعله هنا والآن أن يعي ذاته لا بما كانه أو بما هو عليه، بل بما يمكن أن يكونه ... أن ينطلق في اتجاه نفسه الحقيقية ... أن يعلو على ذاته ... أن يتخطاها إلى أقصى ما تسمح ممكنات وجوده. هذا البعد الوجودي هو ما يسميه هيدجر «العلو» أو «التجاوز»
Halaman tidak diketahui
transcendence .
لكن الإنسان لا يعيش فقط في عالم الأشياء أو البيئة أو العالم المحيط
Umwelt
فهناك أيضا «الآخرون» والمطالب اليومية الملحة والأحوال اليومية والرفاق اليوميون. هؤلاء يحومون حول حياة المرء بمثل ما هو يحوم حول حياتهم ... شبكة من التبعثر والتفكك، وتعثر الجوهري باللاجوهري. الوجود-في-العالم إذن هو أيضا وجود-مع-الغير. ومن شأن هذا «الوجود-مع»
Mitwelt
أن ينزل بالإنسان إلى حياة زائفة يومية متشابهة. فالإنسان الذي ينغمس بكليته في حياة الناس ويدفن ذاته في حشدهم وجزئياتهم لن يسعه إلا أن يعمل كما يعملون ويفكر كما يفكرون ويسلك كما يسلكون ويثرثر كما يثرثرون. فيصبح نسخة من كائن بلا اسم هو الناس، وبذلك يخسر فردانيته وأصالته ويتحول إلى شيء بين أشياء وأداة وسط أدوات، ويقع في الابتذال والتشتت، ويسقط في الوجود الزائف
inauthentic being ، وجود المجاراة والمسايرة والامتثال واللاوجه واللااسم
anonymity . ذلك هو البعد الوجودي السلبي الذي يسميه هيدجر «الخسران» أو «السقوط».
ولكن لماذا يسقط الإنسان هذا السقوط ويقضي على حقيقة ذاته؟ إنه يفعل ذلك فرارا من نفسه ومن العدم الذي يحاصره. فالعدم داخل في نسيج الوجود دخول السدى في اللحمة؛ نراه في خبرة السأم (السأم لا من شيء بعينه، بل السأم الشامل المطبق). ونراه في خبرة القلق (لا الخوف من شيء محدد، بل القلق الصميم النهائي الناجم من شعورنا بأننا نحن وكل الأشياء والأحياء قد انزلقنا في هاوية غامضة غير محددة). ونراه في كل فعل من أفعال الوجود؛ لأن كل فعل يستلزم اختيار وجه واحد من أوجه الممكن ونبذ سائر الممكنات، فهو يحمل معنى العدم ويستلزم العدم ويفرزه. ولهذا لا بد للإنسان أن يعيش في القلق لكي يعي حقيقة الوجود. ذلك لأن الإنسان بطبعه يميل إلى الفرار من وجه العدم الماثل في صميم الوجود، وذلك بالسقوط بين الناس والتردي في الحياة اليومية الزائفة. ولكي يعود إلى ذاته لا بد له من قلق كبير يوقظه من سباته.
وليس أدعى إلى القلق من تلك الحقيقة التي تقف للإنسان بالمرصاد وتحول دون استمرار تحقيق ممكناته: حقيقة الموت. إن الوجود الإنساني هو «وجود للموت» ... وجود متجه نحو الموت. فبمجرد أن يولد الإنسان يكون ناضجا للموت، وكل حي يحمل جرثومة موته بين جوانحه منذ اللحظة الأولى. ولكن الناس يوهمون أنفسهم بالحصانة من الموت، ويتعاملون عن حقيقته رغم أن فيها يتم الشعور بالفردية إلى أقصى درجة. فكل محتضر يموت وحده ولا يسع أحدا أن يموت نيابة عنه. فالموت هو الحادثة الوحيدة في حياة الإنسان التي هي خاصة به بشكل فريد مطلق . وفي هذا القلق أعلى ما يكشف عن الوجود الذاتي الحق، وفيه ما ينتشل الإنسان من الخسران اليومي ويرده إلى الوجود الأصيل ... يرده إلى نفسه. إن الموت هو أصدق الممكنات الإنسانية وأكثرها جوهرية وأصالة. وليست هذه فلسفة تشاؤمية؛ بل هي بالأحرى مذكر حي بأهمية العيش ذاته وجديته، ونفاسة كل آنة من آنات الحياة. فالعزيمة هي الثمرة الطبيعية ل «الوجود للموت» تكرسنا لوجود أصيل، وتحملنا على أن نعرف قيمة وجودنا ونأخذه مأخذ الجد، وأن نسعى ملء الممكن ونعيش ملء اللحظة.
Halaman tidak diketahui
هذه هي خلاصة فكر هيدجر. نقبلها ونستضيء بها. ونشفع مفهومه للخسران باستدراك واجب، هو أن هيدجر لم ينف أبدا أن «الوجود-مع» هو وجه من وجوه الوجود، وشكل من أشكال عالم المرء، هو الذي يمده بأسباب العيش ويقدم له الأدوات التي يحقق بها ممكناته، حين يتعايش مع الآخرين بانفتاح وحضور متبادل لوجود تجاه وجود، في عالم اللقاء الأصيل الصادق وجها لوجه، ولن يتاح للإنسان أن يكتشف ممكناته ويحققها إلا في هذا العالم وجه ... عالم المعية والمشاركة والتعايش.
ليس هذا دفاعا عن هيدجر بل هو استدراك موجه إلى القارئ. فالحق أن فكر هيدجر عسير حلزوني لا يفهم إلا في كليته وتمامه، بحيث إن جل مصطلحاته وركائزه تفقد معناها إن هي أخذت على حدة، ولا تتحلى بالمعنى إلا في سياق المذهب الكلي وإطاره. أي إنها مصطلحات «محملة بالنظرية» مشحونة بها
theory-laden . وقد يطيب لبعض المتشدقين أن يتهم السيكولوجيا الوجودية بالأناوحدية
spolipsism
أي النظر إلى الفرد باعتباره متقوقعا في عالم نفسه ساقطا في بئر ذاته لا يدري شيئا عن عالم الفرد الآخر. فالذاتية في الفكر الوجودي لا تنفي «البينذاتية» بل تكملها وتقومها وتعيدها إلى نصابها الصحيح، والانفتاح الحقيقي المتبادل بين الذوات يجعل الظواهر الواحدة تشع وتفيض بنفس الأثر والمعنى على الجميع. فالوجود الإنساني ليس كهفا وليس قوقعا. إنه دائما مشاركة العالم مع الذوات الأخرى. ولن تكون هذه مشاركة حقيقية إلا بين ذوات حقيقية تعيش وجودا أصيلا، لا مجرد كتل هلامية بلا اسم ولا هوية، عبثا تلتئم وتنصهر دفعا للسأم وهروبا من الحرية ورعبا من الوحدة الصميمة وتعاميا عن حقيقة الوجود. (7) تأثير الفينومينولوجيا على علم النفس الوجودي
كان لنشوء المدرسة الفينومينولوجية في علم النفس أثره في بزوغ المدخل الوجودي، من حيث إن المنهج الفينومينولوجي هو المنهج الذي يتمسك به جميع المعالجين الوجوديين. وتتماهى الفينومينولوجيا أيضا مع مدرسة الجشطلت ومع الدراسات الحديثة للإدراك. وتعمد الطريقة الفينومينولوجية إلى الانخراط في وصف الظواهر السيكولوجية وصفا مفصلا مستنفدا مع وقف الفروض التفسيرية في ذات الوقت وتنحيتها جانبا، وإلى وصف الخبرة بلغة الخبرة، وتفسير الخبرة بلغة الخبرة. ولغة الخبرة فيها من العيانية والألفة أكثر مما فيها من التجريد والرطانة. لا تسعى الفينومينولوجيا إلى تفتيت الظاهرة إلى عناصر وأشلاء؛ بل تنصرف إلى فهم الخبرة كما تتراءى مباشرة على شاشة الوعي. إن خبرات مثل القلق واليأس والحب والحرية والمسئولية والرعب والدهشة والقرار من المستحيل أن تقاس كميا أو تختبر معمليا. إنها ببساطة توجد وتمثل. ولا سبيل إلى فهمها إلا كما تنوجد وتتمثل، ولا إلى تحليلها وتفسيرها إلا في أسلوبها الخاص في الحضور والتجلي. وقد طبق المنهج الفينومينولوجي أخيرا في علم النفس الاجتماعي وفي علم نفس الشخصية. وقد أفاد أولبورت
Allport
وماسلو
Maslow
وروجرز
Halaman tidak diketahui
Rogers
وستراوس
Straus
وبنسفانجر
Binswanger
من النهج الفينومينولوجي، وغدت السيكولوجيا المشربة بالتوجه الوجودي هي بحق «القوة الثالثة»، كبديل أقوم لكل من النموذج الفرويدي والنموذج السلوكي.
وبين كل هؤلاء يستحق السويسري لودفيج بنسفانجر
Binswanger
وقفة خاصة. كان بنسفانجر طبيبا نفسيا وأستاذا وفيلسوفا توفي عام 1966م، ويعد نموذجا للممارس الإكلينيكي الوجودي في أكمل صوره، ومؤسسا للفكر السيكولوجي الوجودي من خلال محاضراته وكتبه ومقالاته وإدارته لمستشفى عقلي. كما يعد بنسفانجر أدق شارح لفكر هيدجر منذ صدور «الوجود والزمان»، فقد كان يستخلص المتضمنات السيكولوجية لفكر هيدجر بمساعدة هيدجر نفسه، إذ كانا بجيرة جغرافية. كما تأثر بالفلسفة الفينومينولوجية وباستبطانية كيركجارد وبحوار «أنا-أنت» عند بيوبر
Buber ، بالإضافة إلى عناصر لا غنى عنها من بلويلر
Halaman tidak diketahui
Bleuler
وفرويد
Frued .
كان بنسفانجر صديق عمر لفرويد ومحللا نفسيا سويسريا رائدا. ورغم اختلافاته الصريحة مع فرويد فقد بقيت صلتهما حارة حتى النهاية، ولم تنقطع يوما من الأيام كما هو شأن علاقات فرويد بتلاميذه المنشقين. والحق أن أفكار بنسفانجر الوجودية لم تتبلور وتنم نموا منهجيا منظما إلا بعد وفاة فرويد، رغم أنه كان قد شرع في تطويرها منذ أوائل الثلاثينيات.
أخذ بنفسانجر عن هيدجر فكرة أن الإنسان كائن زماني بالدرجة الأساس. وأنه يوجد بقدر ما يتوجه إلى المستقبل ويستشرفه. وأنه ينظم حاضره الآني ويصله بماضيه السالف وفقا لاستشرافه المستقبلي وصلته بالآتي. وقد لاحظ بنسفانجر في مرضاه أن لب الاضطراب عندهم هو فقدان التوجه والمعنى في حياتهم. مما يعني أنهم لم يعودوا على علاقة ذات معنى بالزمن نفسه، لم يعودوا قادرين على ربط أقانيمه الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل، معا بعناية وانسجام.
أفاض بنسفانجر في تحليل الوجود الإنساني بوصفه وجودا-في-العالم، وتحليل الهموم الإنسانية وتمثلاتها وتحولاتها كما تتبدى في الحالات المرضية الفردية الحية، ووصلها بعالم المريض في أشكاله الثلاثة: العالم المحيط (البيئة)، والعالم-مع (العالم البينشخصي)، بالإضافة إلى العالم الشخصي الذي أضافه بنسفانجر إضافة رائدة (وهو عالم الذات في ديمومتها واتساقها وهويتها). ويرى بنسفانجر أن المرض النفسي يأتي من أثر ما يلحق بعالم الفرد من تقلص أو تسطح أو تشويه أو استنفاد. فالمرض هو دائما فقدان يلحق بمحتوى عالم الفرد، فقدان للغنى والتركب الذي يجب أن تتسم به السياقات المرجعية. المرض هو أن يطغى على المرء نمط واحد للعالم ويستنفده تاركا عالميه الآخرين في جدب ومحل وفاقة.
أما رولو ماي
Rollo May - مؤسس العلاج الوجودي في الولايات المتحدة - فإنه يؤكد على مسئولية المريض عن اضطراباته وعما يجري له في حياته مسئولية مباشرة، ويحثه على أن يواجه ما يبدو له عوامل حتمية تجبره على التسليم أو الانسحاب وتجنب الحياة. وله في تيمة القلق إضافة رائدة هامة. يميز رولو ماي بين نوعين أو دورين للقلق: فهناك الدور الصحي الذي يضع يد المرء على مكمن إشكالية في حياته، وبذلك يفتح له الأبواب أمام إمكانيات الحياة بصورة مختلفة ويدفعه - عن طريق المواجهة والتصدي - إلى مزيد من النمو والإبداع. وهناك دور آخر مرضي للقلق، وهو ما يؤدي بالمرء إلى تجنب هذه الإمكانيات ومحاولة العيش في قوقعة آمنة، ويبقى علامة تشير إلى الإمكانيات غير المعيشة وإلى الموت المبكر والوجود الضيق. وقد وجد رولو ماي في الخمسينيات أن معظم الأفراد يعانون مما أسماه «العصاب الوجودي» أكثر مما يعانون من العصابات التقليدية. والعصاب الوجودي هو فقدان الإحساس بالذات وبالدهشة والشغف والثراء النفسي الداخلي، والعجز عن امتلاك المرء لحياته وأفعاله وعن الاستقلال الذاتي والأصالة، وعن أن يتوافر لديه بصورة مباشرة أساس داخلي ومصدر للأفعال والاختيارات. ونتيجة لهذا الفقدان ينشأ الإحساس بالفراغ والعبث والسأم والجزع واليأس، ويسود إحساس غامر بالضياع والتخبط وفقدان المعنى في الحياة. (8) فرنر مندل واستراتيجية المعالج الوجودي
رسم فرنر مندل
Werner Mendel
Halaman tidak diketahui