5
ورصفت السوق الجديدة المعروفة بسوق البلاط وأصلحت الطرق. وسنة 1889 كثرت مهاجرة الزحليين إلى أمركة وأوسترالية، وفشا السفر بين سكانها فكان الفقراء يرهنون بيوتهم ويسافرون. وسنة 1890 كان معرض باريس العام فربح فيه التجار الزحليون، وزال عسرهم المالي لانفتاح أبواب الربح لهم، وفيها مدت طرق العربات في أكثر أحيائها وصارت العربات والعجلات (الكارات) تدخل السوق. وسنة 1891 تفشت الهيضة (الهواء الأصفر) في دمشق وضويقت زحلة بالنطاق الصحي الذي ضرب عليها، وهجم السكان على دار الحكومة بزمن قائم مقامها الشيخ حبيب لطف الله وأبرقوا لمتصرف لبنان واصه باشا فرفع النطاق بعد شهرين من وضعه. وسنة 1895 أصلحت جميع طرقها وراجت أعمالها، وشرع بمد طريق العربات حول متنزهاتها، فأنجز بعد سنة بعهد الشيخ حبيب لطف الله قائم مقامها، وزرع على جانب الطريق أشجار الأزدرخت (الزنزلخت) على أنه لم يعتن بها مع أنها مفيدة كثيرا للتظليل، ولحمل الغبار الذي يتطاير فيعمي العيون؛ فضلا عما هنالك من موارد الحطب الذي يقطع منها، فحبذا توجيه النظر إلى العناية بها. وكثرت متنزهاتها وارتاح إلى الاصطياف فيها كثير من المصريين والسوريين، وعاد إليها كثير من أبنائها المهاجرين بأموال وافرة. وفي هذه السنة كانت السكة الحديدية بين بيروت ودمشق وحوران قد أنجزت فراجت أعمال زحلة المجاورة لمحطة المعلقة الكبرى إذ ذاك. وصباح الأربعاء في أول تشرين الأول من هذه السنة (1895) احترق أربعة مخازن كبيرة من مخازن سوق البلاط فيها، فقدرت الخسارة بنحو ألفي ليرة، فأمر نعوم باشا متصرف لبنان إذ ذاك باستبدال الفواصل والحواجز الخشبية أو اللبنية بين المخازن بفواصل وحواجز حجرية، فلم يعمل المرممون بذلك. فتجدد الحريق في ليل الخميس في 27 أيار سنة 1896 وعم معظم السوق، فكانت الخسارة نحو خمسة آلاف ليرة فبنيت الحواجز جميعها من حجر ورصف السوق بالبلاط. وسنة 1897 عمر جسر الصفة (قرب لوكندة الصحة).
وسنة 1898 كثر الثلج والجمد، ووقف القطار الحديدي ثلاث مرات عن مسيره بين بيروت ودمشق، وبقي الثلج إلى أواخر شباط وتضايق الزحليون. وفيها بني جسر الدباغة (قرب حارة التحتا) وذلك في زمن متصرفية نعوم باشا. وسنة 1898 كان بدء نهضتها العلمية والفضل بذلك للكلية الشرقية التي أنجزت تشييدها في هذه السنة الرهبنة الحناوية، وفتحت أبوابها للطلبة كما سنذكر في بحثنا عن المدارس. وكانت قد أسست صحافتها في المهجر كما سترى في باب الصحافة.
وسنة 1899 مر بالمعلقة جلالة غليوم الثاني إمبراطور ألمانية، فلاقاه الزحليون ونالوا لديه حفاوة وأعجب بفوارسها، ولا سيما نجيب بك المعلوف (اليوزباشي اللبناني الآن) وسليم أفندي جرجس مسلم، فإن جلالة الإمبراطورة أخذت بيدها رسمهما أمام خان بيت شاما وهما ذاهبان إلى بعلبك. وسنة 1900 أنشأ فارس أفندي البحنسي الزحلي أحد متخرجي كليات الولايات المتحدة مقرأة (غرفة للقراءة)، وعطلت بعودته إلى أميركة. وسنة 1901 أنشأ يوسف أفندي المشعلاني نزيل زحلة مكتبة (التقدم) وجهزها بالكتب العربية والإفرنجية والأدوات المدرسية . وسنة 1903 أنشأ مرسلو الأميركان فيها مقرأة (غرفة للقراءة) مجانية وجهزوها بأهم المؤلفات والمجلات والجرائد باللغتين العربية والإنكليزية. وفي أواخرها أنجزت الرهبنة الحناوية ترميم دير النبي إلياس (الطوق) وسنمته (سقفته بالقرميد)، وذلك في عهد رئيسه الأب أونيسيموس صوايا (سيادة اثناسيوس مطران بيروت ولبنان الحالي)، وهندسه المدبر الأرشيمندريت يعقوب الرياشي، فكانت أبنتيه بغاية الإتقان، أما الكنيسة فبقيت على بنائها القديم منذ نشأتها مكتنفة بدعائم متينة، وقد نقش فوق بابها الشرقي تاريخ بقلم الشيخ ناصيف اليازجي.
6
وفي أواخر سنة 1905 كثرت الثلوج واشتد البرد ووقف القطار الحديدي أحد عشر يوما، وقرص البرد في الجروم (السواحل) حتى إن مياه نهر الكلب جمدت في صهاريجها، ومات كثيرون صردا (دنقا). وفي 3 نيسان سنة 1906 تجدد سقوط الثلج، ووقف القطار ثلاثة أيام وبقي البرد شديدا إلى يوم عيد الفصح في 15 نيسان، وكان في تلك السنة زلزال سان فرانسيسكو وهياج البراكين. وفي 8 تشرين الأول سنة 1906 حفر أساس المستشفى الوطني في زحلة الذي أنشأته جمعية المحبة (دفن الموتى) الكاثوليكية. وفي 21 منه تلك السنة وضع أول حجر في أساس كنيسة السريان الكاثوليك في حوش الزراعنة. وفيها أنجزت أبنية الأنزال (اللوكندات) الجديدة الكبيرة بجوار عين الدويليبي على ضفة النهر الشمالية، فكانت من أفخم الأنزال وأتقنها وأجملها موقعا وشيد أمامها الجسر الحديدي الجديد. وفي أوائل سنة 1907 اشتد البرد والجمد وكثر الثلج ووقف القطار الحديدي، وبقي الجو مكدرا إلى أواخر أيار. ومساء السبت في 18 أيار منها وصل تمثال البطريرك بطرس الرابع الجريجيري الكامل من الشبه (البرونز)، وهو هدية المهاجرين الزحليين في أميركة الشمالية والجنوبية، فنصب نهار الثلاثاء في 16 حزيران سنة 1908 في باحة الدار الأسقفية على قاعدة من الرخام الجميل، وأرخ ذلك مؤلف هذا التاريخ بيتين،
7
وهذا التمثال قد سبك في ميلانو «إيطالية» علوه نحو مترين، وارتفاع قاعدته نحو متر ونصف يمثله تمثيلا بديعا بحلته الكهنوتية وعلى رأسه «اللاطية»، وهو يبارك بيمناه وعصا الرعاية في يسراه. وفي صيف سنة 1907 بدئ بجر مياه الزويتيني إلى أحياء زحلة، وعقدت الحكومة عهدا بشروط معلومة بتاريخ 7 نيسان سنة 1323 مع الخواجات فرنسيس راهبه وولده وإسكندر أسعد جاويش، فدشن خزان (حاووز) الماء يوم الأحد في أول آب سنة 1907 بحفلة حافلة. وأرخ ذلك عزتلو إلياس بك الباشا قائم مقام زحلة بأربعة أبيات نقشت على صدر الصهريج.
8
وفي 14 تشرين الثاني من تلك السنة «1907» احترق السوق الجديد الذي بناه في زحلة سعادة الأمير قبلان أبي اللمع، فالتهمت النيران ستة دكاكين، وكانت الخسارة نحو خمسة آلاف ليرة، وفيها اشتد البرد وكثر الجمد. وفي أوائل سنة 1908 توالى سقوط الثلج بكثرة ووقف القطار. وفيها أسس الآباء اليسوعيون مرصدا فلكيا في كساره (قرب زحلة إلى جنوبيها) على علو 923 مترا عن البحر، واشتهر هذا المرصد الذي حضرت آلاته على آخر طرز بدقة إرصاده وذلك لجفاف الجو وعدم التبخر وقلة الضباب، وهو بإدارة مؤسسه الأب برلوتي من ليون (فرنسة) ومن مشاهير الرياضيين، وفي كل شهر يرسل تقويما بأرصاده إلى جميع مراصد العالم. وفي صيف هذه السنة أسس «محفل زحلة» الاسكتلندي (نمرو 1047) الماسوني.
Halaman tidak diketahui