كنتم أول من تحكم في الطبيعة وسخرها في خدمة الإنسان، ومن هنا لم تكن حضارتكم هي الأولى فقط، ولكنها بداية تحكم الإنسان في الجماد والحيوان؛ مما كان لا بد أن يؤدي تلقائيا إلى اختراع الآلة وتطور العقلية والعلوم، ثم مراحل المدنية التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.
ثم ابتسم وقال: ولو لم يتحكم الكهنة ورجال الدين في تفكيركم بحيث يوجهون اهتمامكم الأكبر لا لتطوير ما اكتشفتموه وإنما للتوقف عنه والتوجه كلية إلى الحياة الأخرى ومشاكل الخلود ... لو أعطيتم نصف اهتمامكم بالموت وما وراء الموت إلى الحياة وما يدور في الحياة، لكنتم وصلتم إلى العلوم الحديثة من أحقاب وأحقاب، ولكان الإنسان قد اختصر من رحلة حضارته مئات السنين.
ولقد أرقني قوله كثيرا، ولا يزال يؤرقني؛ إذ ونحن الآن نحاول استعادة ما فاتنا، ونحاول الوصول إلى أسرار الثورة التكنولوجية الحديثة، فلا تزال مشكلتنا الكبرى، كما كانت في الماضي، هي مشكلة الهدف لأي هدف نتعلم، ونستحوذ، وتصنع، وتثور ثورتنا الحضارية التالية، هل نستعملها لنفكر في الموت وما وراء الموت والنظر إلى ما فات وعبادة الأمس وإحيائه وإعطاء الظهر للحاضر وآفاق المستقبل؟
إذا لم نكن نبغي التحضر لنسبق الزمن ونعوض ما فات ... إذا لم نكن نقاتل لنستعيد ذواتنا وأنفسنا لنمضي إلى الأمام.
إذا لم نكن قد أدركنا أننا تأخرنا لأننا كنا دائما نحيا في عصر حي بأجسامنا كي نتفرغ للحياة في الزمن الذي مضى بعقولنا وأحلامنا.
إذا لم يكن هذا كله هو رائدنا، فأبدا سنظل غرباء كتماثيل المتاحف في عصر حي، ستظل عقولنا تجري إلى الأمام لتأخذ من الحياة كل ما تستطيع.
ما غايتنا؟
وهنا الفيصل ...
هنا لا بد أن نتوقف ونسأل:
نحن نريد التحرر لنتحضر ونتمدن، نريد الكهرباء لنصنع، نريد العلم لنخترع، ولكن كل هذه وسائل؛ إذ تبقى الغاية، فما غايتنا من هذا كله؟
Halaman tidak diketahui