Madina Fadila Cabr Tarikh
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Genre-genre
لقد نجح كل زامياتين وهكسلي نجاحا رائعا في سخريتهما من السعادة الإجبارية التي تفرضها الدول الشمولية، ولكنهما بدلا من أن يطالبا بحق الإنسان في السعادة الحرة التي يمكن أن تأتي من تعبيره عن شخصيته، نجدهما يطالبان بحقه في المعاناة. وتكمن تحت انتقاداتهما لليوتوبيا فكرة أن المعاناة والإحباط ضروريان للإبداع، وأن الروح تحتاج إلى أن تعذب. وهما يتمنيان العودة إلى الماضي، أو إلى الحاضر، حيث يؤمن الناس بفكرة التكفير، وينظر إلى الحب الجسدي على أنه خطيئة، وتعمل الغيرة والطموح وغيرهما من الانفعالات الوضيعة على حث الناس على الفعل.
إن هذين الكاتبين ينتقدان اليوتوبيا، لأنها لا تتسع لهاملت أو عطيل، متناسيين أن هناك مكانا، بين هاملت والإنسان الآلي، للفرد الذي لا يحب أن يكون له مزاج هاملت العصابي، ولا يريد أن يكون إنسانا آليا.
إن اليوتوبيات التسلطية للقرن التاسع عشر هي المسئولة بشكل أساسي عن الاتجاه اليوتوبي المضاد الذي يغلب اليوم على المثقفين. ولكن اليوتوبيات لم تصف دائما مجتمعات شديدة التنظيم والانضباط، ودولا مركزية وأمما مكونة من روبوتات. لقد قدم لنا ديدرو في «تاهيتي»، وموريس في «أخبار من لا مكان»، يوتوبيات يعيش فيها الناس أحرارا من القهر الجسدي والأخلاقي، حيث لا يعملون من منطلق الضرورة أو الإحساس بالواجب، بل لأنهم وجدوا أن العمل نشاط ممتع، وحيث لا يعرف الحب قوانين تتحكم فيه، ويكون كل إنسان فنانا. لقد كانت اليوتوبيات في أكثر الأحيان خططا ومشروعات لمجتمعات تعمل بشكل آلي، وبناءات ميتة تصورها اقتصاديون وسياسيون وأخلاقيون ، ولكنها كانت كذلك الأحلام الحية للشعراء. (لندن: يناير-يوليو 1948م) (1) يوتوبيا عامل شريد:
15 «جبال كاندي الصخرية العظيمة»
ذات مساء بعد أن مالت الشمس للمغيب
وكانت النار تشتعل في الغابة كالحريق،
جاء «الهوبو» هابطا الدرب الوعر، وقال لأصحابه:
يا أولاد، أنا لن أرجع أبدا، يا أولاد،
فأنا الآن أغادركم متجها للبلد النائي
الواقع بجوار النافورات البللورية،
Halaman tidak diketahui