قال صاعد: كان جمهورهم ينكر ذلك "الميعاد" لا يصدق بالمعاد ولا يقول بالجزاء، ويرى أن العالم لا يخرب ولا يبيد، وإن كان مخلوقًا مبتدعًا، وكان فيهم من يقر بالمعاد، ويعتقد إن نحرت ناقته على قبره يحشر راكبًا، ومن لم يفعل ذلك يحشر ماشيًا (١) .
الأدواء الخلقية والاجتماعية:
أما من جهة الأخلاق، فكانت فيهم أدواء وأمراض متأصلة، وأسبابها فاشية، فكان شرب الخمر واسع الشيوع شديد الرسوخ فيهم تتحدث عن معاقرتها والاجتماع على شربها الشعراء، وشغلت جانبًا كبيرًا من شعرهم وتاريخهم وأدبهم، وكثرت أسمائها وصفاتها في لغتهم، وكثر فيها التدقيق والتفصيل كثرة تدعو إلى العجب (٢)، وكانت حوانيت الخمارين مفتوحة دائمًا، يرفرف عليها علم يسمى غاية.
قال لبيد (٣):
قد بتُّ سامرها وغاية تاجر *** وافيت إذا رفعت وعز مُدامها
وكان من شيوع تجارة الخمر أن أصبحت كلمة التجارة مرادفًا لبيع الخمر، كما قال لبيد: وغاية تاجر، وقال عمرو ابن قميئة (٤):
إذا سحب الريط والمروط إلى *** أدنى تجاري وأنقص اللمما
وكان القمار من مفاخر الحياة الجاهلية. قال الجاهلي (٥):
_________
(١) أيضًا ص ٤٤.
(٢) اقرأ كتاب المخصص لابن سيده ج ١١ ص ٨٢ - ١٠١.
(٣) السبع المعلقات، معلقة لبيد.
(٤) ديوان الحماسة.
(٥) ديوان الحماسة.
1 / 57