وهكذا حُرِمت الأمة الفارسية في حياتها دينًا عميقًا جامعًا يكون تربية للنفس، وتهذيبًا للخلق، وقامعًا للشهوات، وحافزًا على التقوى وفعل الخيرات، ويكون نظامًا للأسرة وتدبيرًا للمنزل وسياسة للدولة، ودستورًا للأمة، ويحول بين الناس وطغيان الملوك، وعسف الحكام، ويأخذ على يد الظالم، وينتصف للمظلوم، وأصبح المجوس لا فرق بينهم وبين اللادينيين والإباحيين في الأخلاق والأعمال.
الصين ديانات:
وكانت تسود الصين في هذا القرن ثلاث ديانات. ديانة " لا وتسو" وديانة "كونفوشيوس" والبوذية، أما الأولى ففضلًا عن أنها تحولت وثنية في عهد قريب فهي تُعني بالنظريات أكثر منها بالعمليات، وكان أتباعها متقشفين زاهدين، لا يتزوجون ولا ينظرون إلى المرأة ولا يتصلون بها اتصالًا، فلم يكن لها أن تكون أُسًّا لحياة سديدة أو حكومة رشيدة، حتى التجأ الذين جاءوا بعد مؤسسها إلى مخالفته والعدول عنه إلى غيره.
أما "كونفوشيوس" فقد كان يعني بالعمليات أكثر من النظريات، ولكن انحصرت تعاليمه في شؤون هذه الدنيا وتدبير الأمور المادية والسياسية والإدارية، وقد كان أتباعه لا يعتقدون -في بعض الأزمنة- بعبادة إله معين، فيعبدون ما يشاءون من الأشجار والأنهار، وليس فيها نور من يقين ولا باعث من إيمان ولا شرع سماوي، وإنما هو حكمة حكيم وتجارب خبير، يستفيد بها الإنسان إذا شاء ويرفضها إذا شاء.
البوذية- تطوراتها وانحطاطها:
أما البوذية فقد فقدت بساطتها وحماستها، وابتلعتها البرهمية الثائرة الموتورة فتحولت وثنية تحمل معها الأصنام حيث سارت. وتبني الهياكل. وتنصب تماثيل بوذا حيث حلت ونزلت. وقد غمرت هذه التماثيل الحياة الدينية والمدنية التي
1 / 46