فكانوا يعتقدون أن لأفراده وحدهم الحق أن يلبسوا التاج ويجبوا الخراج، وهذا الحق ينتقل فيهم كابرًا عن كابر وأبًا عن جد لا ينازعهم ذلك إلا ظالم ولا ينافسهم إلا دعي نذل، فكانوا يدينون بالملك والوراثة في البيت المالك لا يبغون به بدلًا ولا يريدون عنه محيصًا، فإذا لم يجدوا من هذه الأسرة كبيرًا ملكوا عليهم طفلًا، وإذا لم يجدوا رجلًا ملكوا عليهم امرأة فقد ملكوا بعد شيرويه ولده أزدشير وهو ابن سبع سنين وملك فرُّخ زاد خسروا ابن كسرى أبرويز وهو طفل، وملكوا بوران بنت كسرى، وملكت كذلك ابنة كسرى ثانية يقال لها أزرمي دخت (١) ولم يخطر ببالهم أن يملكوا عليهم قائدًا كبيرًا أو رئيسًا من رؤسائهم مثل رستم وجابان وغيرهما لأنهم ليسوا من البيت الملكي.
التفاوت بين الطبقات:
وكذلك اعتقادهم في الببيوتات الروحية والأشراف من قومهم، فيرونهم فوق العامة في طينتهم وفوق مستوى الناس في عقولهم ونفوسهم. ويعطونهم سلطة لا حد لها، ويخضعون لها خضوعًا كاملًا- يقول البروفسور أرتهرسين مؤلف تاريخ (إيران في عهد الساسانيين):
«كان المجتمع الإيراني مؤسسًا على اعتبار النسب والحِرف، وكان بين طبقات المجتمع هوة واسعة لا يقوم عليها جسر ولا تصل بينها صلة (٢)، وكانت الحكومة تحظر على العامة أن يشتري أحد منهم عقارًا لأمير أو كبير (٣)، وكان من قواعد السياسة الساسانية أن يقنع كل واحد بمركزه الذي منحه نسبه، ولا يستشرف لما فوقه (٤)، ولم يكن لأحد أن يتخذ
حرفة (٥) غير الحرفة التي خلقه الله لها (٦)،
_________
(١) راجع تاريخ الطبري ج ٢، وتاريخ إيران لمكاريوس.
(٢) «إيران في عهد الساسانيين» ص ٥٩٠.
(٣) أيضًا ص ٤٢٠.
(٤) أيضًا ص ٤١٨.
(٥) أيضًا ص ٤١٨.
(٦) أيضًا ص ٤٢٢.
1 / 43