المسيحية في القرن السادس المسيحي:
لم تكن المسيحية في يوم من الأيام من التفصيل والوضوح ومعالجة مسائل الإنسان، بحيث تقوم عليه حضارة، أو تسير في ضوئه دولة، ولكن كان فيها أثارة من تعليم المسيح، وعليها مسحة من دين التوحيد البسيط، فجاء بولس فطمس نورها، وطعّمها بخرافات الجاهلية التي انتقل منها، والوثنية التي نشأ عليها، وقضى قسطنطين على البقية الباقية، حتى أصبحت النصرانية مزيجًا من الخرافات اليونانية والوثنية الرومية والأفلاطونية المصرية والرهبانية، اضمحلت في جنبها تعليم المسيح البسيطة كما تتلاشى القطرة من اليم، وعادت نسيجًا خشبيًا من معتقدات وتقاليد لا تغذي الروح، ولا تمد العقل ولا تشعل العاطفة، ولا تحل معضلات الحياة، ولا تنير السبيل، بل أصبحت بزيادات المحرفين، وتأويل الجاهلين، تحول بين الإنسان والعلم والفكر، وأصبحت على تعاقب العصور ديانة وثنية، يقول (Sale) مترجم القرآن إلى الانكليزية عن نصارى القرن السادس الميلادي: «وأسرف المسيحيون في عبادة القديسين والصور المسيحية حتى فاقوا في ذلك الكاثوليك في هذا العصر (١» .
الحرب الأهلية الدينية في الدول الرومية:
ثم ثارت حول الديانة وفي صميمها مجادلات كلامية، وسفسطة من الجدل العقيم شغلت فكر الأمة، واستهلكت ذكاءها، وابتلعت فدرتها العملية، وتحولت في كثير من الأحيان حروبًا دامية وقتلًا وتدميرًا وتعذيبًا، وإغارة وانتهابًا واغتيالًا، وحولت المدارس والكنائس والبيوت معسكرات دينية متنافسة وأقحمت البلاد في حرب أهلية، وكان أشد مظاهر هذا الخلاف الديني ما كان بين نصارى الشام والدولة الرومية، وبين نصارى مصر،
أو بين (الملكانية) و(المنوفيسية) بلفظ أصح، فكان شعار الملكانية عقيدة ازدواج طبيعة المسيح، وكان المنوفيسيون يعتقدون أن للسيد المسيح طبيعة واحدة، وهي الإلهية التي تلاشت فيها طبيعة المسيح البشرية،
_________
(١) Sale's Translation، p. ٦٢ (١٨٩٦)
1 / 32