Sekolah-Sekolah Falsafah
المدارس الفلسفية
Genre-genre
وطريقته في التعليم في أثناء المحاضرات أن تقرأ رسائل المؤلفين بصوت عال، من الأفلاطونيين سفيروس أو كرونيوس، أو كايوس، أو أتيكوس. ومن المشائين أسباسيوس، والإسكندر، وأوراستوس وغيرهم. ولكنه لم يتبع أي واحد منهم اتباعا أعمى، بل اتخذ لنفسه وجهة نظر شخصية مبتكرة، مطبقا منهج أمونيوس في فحص المسائل.
حدث ذات يوم أن حضر أوريجين في حجرة درسه، فاحمر وجه أفلوطين وأوشك أن ينهي المحاضرة، فلما رغب إليه أوريجين أن يستمر أجابه: إن نار الحماسة لتخبو حين يشعر المتكلم أن السامعين لن يتعلموا منه شيئا.
وإليك حكم لونجينوس - أحد فلاسفة ذلك العصر، كان يعيش ويعلم في أثينا - على أفلوطين، من خطاب له أرسله إلى فرفريوس، قال: عندما كنت صبيا أفسحت رحلات والدي الطويلة لي فرصة رؤية أفضل معلمي الفلسفة، وظللت على اتصال بجميع الأحياء منهم في المدن التي كنت أرحل إليها. كان بعضهم يصوغ أفكاره في مؤلفات يتركها لفائدة الخلف، وكان بعضهم الآخر يقنع بأن يفهم عنه السامعون. وممن لم يكتب أمونيوس وأوريجين، وقد حضرت عليهما بنفسي وأعترف بامتيازهما على أقرانهما. وهناك كذلك في أثينا ثيودورس وبوبولس. وممن كتب من الأفلاطونيين إقليدس وديمقريطس وبرقلينوس، ثم اثنان لا يزالان يعلمان الفلسفة في روما، وهما أفلوطين وصاحبه أميليوس. وهذان وحدهما يظهر عليهما الروح الصادقة لصناعة التأليف في المسائل التي يعالجانها. ويبدو أن أفلوطين يلقي على مبادئ فيثاغورس وأفلاطون ضوءا أسطع من أي فيلسوف سبقه. ويحذو أميليوس عن قصد حذو أفلوطين، وقد اصطنع معظم آرائه.
يتضح من ذلك أن حياة المدرسة كانت شديدة الجدل، مع سيادة روح البحث الحر، وأن الطلبة كانوا يتعلمون كتابة المقالات وإنشاء الرسائل، هذا إلى قراءة نصوص الفلاسفة وشرحها والتعليق عليها. وكان الطلبة يقرءون أبحاثهم ويناقشون فيها علانية. وإلى جانب ذلك تراسلت المدارس من شتى المدن فيما بينها، يتبادل الأساتذة والطلبة الأفكار، ويتحاورون على البعد، كما رأينا في المراسلات بين لونجينوس وفرفريوس. وهكذا استطاع أفلوطين بأصالة تفكيره أن يجدد الأفلاطونية، وأن يمزج بينها وبين المشائية والرواقية والفيثاغورية، وأن يخرج بمذهب جديد، ومدرسة جديدة، تعد آخر المدارس الفلسفية اليونانية.
الجديد في هذه الفلسفة منهجها، ونظرتها إلى النفس، وتفسيرها للوجود. منهجها التأمل في باطن النفس، والترقي إلى آفاق أعلى بطريق الجدل صعودا حتى تبلغ النفس منبع النور والبهاء، ثم تهبط بعد ذلك وقد استفادت من الحق. وقد كان الجدل منهج أفلاطون، ولكن جدل أفلوطين مختلف عنه من حيث اعتماده اعتمادا مطلقا على التأمل الباطن، واستخلاص الحقائق من النفس ذاتها، على حين أن جدل أفلاطون كان يبدأ من المحسوسات ومن المباحث في الرياضة، والنظر إلى الأشكال الرياضية ليصعد منها إلى المثل، إلى الصور المجردة، ثم يهبط بعد ذلك إلى العالم المحسوس، بعد أن يكون الفيلسوف قد عرف المثل ليصلح من حال المدينة. لم يكن أفلاطون هاربا من عالم الواقع، هائما في عالم المعقولات، كلا، كان هربه مؤقتا ليعود مرة أخرى إلى الواقع يصلح من أمره، ويحقق فيه الخير والعدل. أما أفلوطين، فإن الظروف السياسية والاجتماعية التي سادت العالم في زمانه، مع بداية انهيار الإمبراطورية الرومانية وانتشار الفساد، مع كثرة الحروب التي خربت البلاد، جعلته يهرب من ذلك العالم الذي فقد الناس الأمل في صلاحه إلى عالم آخر؛ إما بالانطواء داخل النفس، وإما بالرجاء في حياة أخرى أسعد من الحياة الدنيا. وقد قال أفلوطين بالطريقين؛ أن يحصر الإنسان نفسه في داخل نفسه وينطوي عليها ويزهد في مباهج الحياة الدنيا، كما رأينا من سيرته، وأن يسعى إلى السعادة في الحياة الآخرة. ولا شك أن المسيحية التي كانت معاصرة لفلسفة أفلوطين قد تأثرت بتعاليمه، كما تأثر مذهبه بآراء فلاسفة المسيحيين الذي ظهروا في الإسكندرية.
ويختلف الأساس الفلسفي عند أفلوطين عن الأساس الذي قامت عليه الفلسفة اليونانية من قبل إلى أفلاطون وأرسطو. حاولت الفلسفة اليونانية تفسير الوجود؛ أي بيان كيفية وجود الموجودات؛ فذهب بارمنيدس أن الوجود موجود؛ أي إنه حقيقة أولية لا تحتاج إلى إثبات، وعند أفلاطون أن الوجود نوعان معقول ومحسوس، وأن الوجود المعقول - نعني عالم المثل - أصل الوجود المحسوس. ولكن الموجودات المحسوسة التي نشهدها في هذا العالم ليست إلا ظلالا وأوهاما، أما الحقيقة فهي أمثال هذه الموجودات. والمثال معقول؛ ولذلك كانت فلسفة أفلاطون مثالية. ولما جاء أرسطو لم يفصل هذا الفصل في الوجود بين عالمين، بل قال إن الموجود مركب من مبدأين؛ المادة والصورة. صفوة القول: الفلسفية اليونانية فلسفة وجود، وتعريف أرسطو للفلسفة الأولى - أو الميتافيزيقا - أنها هي العلم بالموجود من حيث هو موجود.
أما فلسفة أفلوطين فهي فلسفة واحد. «الواحد» في قمة الوجود، وأعلى منه، وعن «الواحد» يصدر العقل، وعن العقل تصدر النفس، وهكذا يبدأ أفلوطين بثالوث متدرج في القيمة، على رأسه «الواحد». ومن هنا كانت فلسفته مختلفة عن أفلاطون وأرسطو. أما مفهوم «الواحد» عنده فليس واضحا متميزا؛ فهو تارة الله، وهو تارة أخرى الخير، وهو تارة ثالثة الأول. مهما يكن من شيء، فإن «الواحد» أعلى من الوجود.
إذن كيف جاء الوجود عن «الواحد»؟ أول موجود صدر عن «الواحد» هو العقل، فاض عنه لأنه صورة من «الواحد»، أو شبح له، ثم يصدر عن العقل النفس التي هي صورة أدنى من العقل.
ولكن كيف يعرف الإنسان أنه جزء من النفس الكلية؟ وكيف وصل إلى معرفة العقل ومعرفة العالم الإلهي الذي هو فوق العقل؟ فلنترك أفلوطين يحدثنا عن هذه المعرفة التي تتم بطريق الجدل، وذلك من الترجمة العربية القديمة التي أصلحها الكندي، قال:
إني ربما خلوت بنفسي، وخلعت بدني جانبا ، وصرت كأني جوهر متجرد بلا بدن، فأكون داخلا في ذاتي، راجعا إليها، خارجا من سائر الأشياء، فأكون العلم والعالم والمعلوم جميعا. فأرى في ذاتي من الحسن والبهاء والضياء ما أبقى له متعجبا بهتا، فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الفاضل الشريف الإلهي، ذو حياة فعالة. فلما أيقنت بذلك ترقيت بذاتي من ذلك العالم إلى العالم الإلهي، فصرت كأني موضوع فيه، متعلق به، فأكون فوق العالم العقلي كله، فأرى كأني واقف في ذلك الموقف الشريف الإلهي، فأرى هناك من النور والبهاء ما لا تقدر الألسن على صفته ولا تعيه الأسماع. فإذا استغرقني ذلك النور والبهاء، ولم أقو على احتماله، هبطت من العقل إلى الفكرة والرؤية، فإذا صرت في عالم الفكرة والرؤية حجبت الفكرة عني ذلك النور والبهاء، فأبقى متعجبا كيف انحدرت من ذلك الموضع الشامخ الإلهي، وصرت في موضع الفكرة ...
Halaman tidak diketahui