Sekolah-Sekolah Falsafah
المدارس الفلسفية
Genre-genre
ولما كان أرسطو أجنبيا عن أثينا، ولم يكن له حق امتلاك الأرض كما ذكرنا، فقد وهب ديمتريوس الفاليري - تلميذ ثاوفراسطس - الأرض وما عليها من أبنية لثاوفراسطس. وفي وصية ثاوفراسطس التي حفظها لنا التاريخ يقول: «البستان، والممشى
، والمساكن الملحقة بالبستان، أهبها كلها لأصدقائنا الذين يرغبون في بحث الأدب والفلسفة بحثا مشتركا، ما دام ليس من الميسور لكل الناس أن يكونوا مقيمين إقامة دائمة، بشرط ألا يفسد أحد الأبنية أو يقصرها على استعماله الخاص. ولكن الشرط أن يملكوا المدرسة، وكأنها معبد من الأملاك العامة، وأن يعيشوا معا معيشة لائقة على أساس من الصحبة والصداقة.»
وتدل هذه الوصية على أن روح أرسطو التي زرعها في تلاميذه، كانت لا تزال ترفرف عليهم. وقد وضع لهم أرسطو دستورا للمدرسة يتبعونه في الطعام والشراب والنوم. ومن دستور المدرسة أن يجتمعوا مرة كل شهر حول مائدة للطعام أو الشراب، على طريقة مأدبة أفلاطون ؛ رمزا للمعيشة المشتركة. وفي وصية ستراتون الرئيس الذي تولى بعد ثاوفراسطس رئاسة المدرسة ، نجد قائمة بالأدوات التي وهبها للرئيس الذي عهد إليه بالمدرسة من بعده، وهذه الأدوات هي الملاءات الخاصة بالولائم، وكئوس الشراب، وجميع الأثاث الموجود في صالة الطعام. ويبدو أن هذه الأدوات استمرت تستكمل على مر الزمن، حتى إن المدرسة تحت رئاسة ليقون الذي تولى بعد ستراتون وجهت إليها كثير من الشكوى؛ لأن الطلبة الفقراء لا يستطيعون المشاركة في المآدب بسبب ما فيها من ترف شديد. مهما يكن من شيء، فإن أرسطو كان قد وضع دستورا للشراب وللمآدب، كما كانت الحال في الأكاديمية، وفي معظم المدارس الفلسفية التي وجدت في ذلك الحين.
ولسنا ندري شيئا عن الرسوم الدراسية، ولكن يبدو أنها كانت بحسب مقدرة كل طالب، ولعل الفقراء لم يكونوا يدفعون شيئا. ولذلك كانت المدرسة تعيش على هبات الأغنياء من جهة، وعلى ما يدفعه الطلبة القادرون من جهة ثانية.
ولسنا ندري عدد التلاميذ الذين كانوا يحضرون دروس أرسطو، ولكن يبدو أنهم كانوا عددا وفيرا؛ فقد حدثنا ديوجينيس اللايرسي في كتابه «سيرة الفلاسفة» عند الكلام عن ثاوفراسطس، أن 2000 طالب اعتادوا حضور دروسه. ولو أننا نشك في هذا العدد، فإذا كان ثاوفراسطس وهو تلميذ أرسطو وأقل منه شهرة حظي بهذا العدد من التلاميذ، فلا بد أن عدد تلاميذ أرسطو كان أكثر. ولم يبين ديوجينيس عددهم، ولكنه قال إنهم كثير، أبرزهم ثاوفراسطس. ولا بد أن هذا العدد الكبير هو الذي كان يحضر الدروس المسائية، أما الدروس الصباحية، أو السماعية، فلم يكن العدد يتجاوز بضعة عشر تلميذا.
فما هي الدروس التي كان أرسطو يلقيها عليهم؟
يختلف أرسطو عن أستاذه أفلاطون مزاجا ومنهاجا وفلسفة؛ صاحب الأكاديمية كان يرى أن الفلسفة شيء يدرك بالحدس، والرؤية الباطنة، واتصال النفس بالحقائق الأزلية، ولذلك عرف الفلسفة بأنها «رؤية» الحق، وجدير بمن يبلغ الحق عن هذا الطريق، أن يحتفظ به سرا من أسرار النفس؛ إذ يصعب التعبير عن الحق باللفظ واللغة. ولذلك حذر أفلاطون في أكثر من موضع من محاوراته الناس أن «يدونوا» الفلسفة؛ لأنها تدرك وتحس فقط. وقد ذكرنا قبلا أن محاورات أفلاطون لم يودعها فلسفته التي كان يدرسها في الأكاديمية، وإنما عرفنا تلك الدروس مما ذكره بعض تلاميذه، ونقلوه عنه، وعلى رأسهم أرسطو.
كان ذلك رأي أفلاطون: إن الفلسفة حوار يدور بين عقلين، أو «جدل» يصعد في باطن النفس إلى آفاق المثل الخالدة، ويهبط من سماء المثل إلى عالم المحسوسات والتغير. ولكن أرسطو كان له في الفلسفة رأي آخر؛ فهي البحث عن العلل الأولى والغايات الأخيرة، وهي ضرب من البحث المنظم الذي يعتمد على منهج آخر خلاف الحوار وخلاف الجدل، ذلك المنهج هو «المنطق» الذي ابتكره أرسطو حتى اشتهر به، ولقبه المتأخرون وبخاصة العرب: «صاحب المنطق».
ولم يكن أرسطو يذهب إلى القول بعدم تدوين الفلسفة؛ لأن وجهة نظره نحو تفسير الموجودات تختلف عن وجهة نظر أفلاطون. فالفلسفة عند أرسطو هي «العلم بالموجود من حيث هو موجود»، أي إنه يقر ويعترف بالموجود المحسوس. وما دام الأمر كذلك، فالمحسوس مركب بلا نزاع من «مادة»، أو بالاصطلاح اليوناني الذي دخل لغة العرب من «هيولى». أما أفلاطون فقد ضرب عن المادة صفحا، وفسرها تفسيرا رياضيا، وزعم أن «المثل» هي أصل الموجودات المحسوسة.
من هنا كان اتجاه أرسطو طبيعيا، وكان اتجاه أفلاطون رياضيا. ولعل هذا الخلاف في الاتجاه كان من جملة الأسباب التي دعت أرسطو أن يهجر الأكاديمية، وأن يفتتح مدرسة جديدة. والفلسفة الطبيعية تبحث في أمور غير تلك التي تبحث فيها الفلسفة الرياضية، فضلا عن اختلاف المنهجين، واختلاف الأسلوبين، واختلاف النزعتين.
Halaman tidak diketahui