ولنرجع إلى الآية التي صدرنا بها هذا المقال
وفي أنفسكم أفلا تبصرون ، فإني لا أكتم القراء أني وجدت في مذكراتي كلمة لو قرأتها لغيرى الآن لأنكرتها عليه، مع أني أعرف أني كتبتها من قبل، وأنا نقي القلب، خالص الضمير. ولقد تبدر تلك الكلمة، وكأنها خطاب مفتوح لأهل الجمال، وهي سذاجة طريفة، تمثل عهدا من عهود الصبا، خيل إلي فيه أن الحسن يجب أن يكون ملكا لجميع العيون، تستمتع به آمنة مطمئنة لا يمانعها فيه غيور، ولا يحجبها عنه ضنين. وليس في مقدوري الآن أن أكتب مثل تلك الكلمة، لأنى حرمت من تلك السذاجة، واطلعت من الناس على بلايا ومناكر، يلؤم من بعدها الكريم، وحاشاي! وسأفرض الآن أنى في العهد الأول من عهود الشباب، وأن الناس كما كنت أحسبهم منذ سنين أطهارا بررة، لا يحرفون الكلم عن مواضعه، ولا يتقولون الأقاويل، ولأذكر طرفا من ذلك الخطاب:
يا أرباب الجمال!
ما لكم تضنون علينا بما سوف يشبع الدود منه لثما، ويأكله التراب أكلا لما؟
كم صائن عن قبلة خده
سلطت الأرض على خده
وحامل ثقل الثرى جيده
وكان يشكو الضعف من عقده
أما والله إن أرواحنا لفي حاجة إلى بعض ما تنعم به الوسائد من الخدود، والمراود من الجفون، والمساويك من الثغور، والأمشاط من الشعور، والغلائل من الأعطاف ، والزينة من الأطراف ... فلم تحرموننا في حبنا لكم، وإشفاقا عليكم مما تكرمون به الجمال ليلا ونهارا، على أنه لا يعرف ما حف به من حسن، وأحدق به من جمال؟!
يا أهل الملاحة!
Halaman tidak diketahui