وقد اتفق للمرحوم شوقي أن أعلن أن خير قصائده هي النونية التي قالها في توت عنخ آمون، فلما لقيته قلت له: أنت يا شوقي بك لا تعرف شعرك، إن خير قصائدك هي قصيدة «الأندلس الجديدة». فابتسم وأخذ يجهد نفسه في تعرف خصائص تلك القصيدة التي لم يرها خير ما قال!
فلنأخذ الآن في موازنة قصيرة جدا بين موضوعات هاتين القصيدتين: البائية واللامية؛ لنرى أيهما أرجح في الميزان. (8)
تقع البائية في 138 بيت، وتقع اللامية في 89 بيتا، فالأولى أطول من الثانية، وعند الدرس نجد البائية افتتحت بأربعة أبيات جرت مجرى التمهيد، ونجد الشاعر وصف الناقة بأبيات بلغت عدتها 27، وعلى ذلك يكون ما وقع من القصيدتين في صميم الموضوع متقاربا في الطول.
ولنسارع فنقرر أن الذي حبب البائية إلى الناس هو عناية الشاعر ببكاء القتلى من أهل البيت، وأن الذي حبب اللامية إلينا هو إلحاح الشاعر في تقبيح الظلم والظالمين، فمعاصرو الكميت ينظرون إلى البائية بعين، ونحن ننظر إلى اللامية بعين، وقد يكون مما يقدم قصيدة على قصيدة أن ينظر إلى ما في الشعر من المعاني الباقية، فالرثاء ضرورة وقتية، أما حرب الظلم فيبقى ما بقي الإنسان الذي سماه أرسطو: «الحيوان الناطق» ونسميه نحن: «الحيوان اللئيم».
وقد عرض الكميت في البائية لمقتل الحسين فوصفه بمنعفر الخدين مترب الجبين، ومن أجل ذلك كانت بائية الكميت أثيرة لديه ولدى النقاد لما تعرضت له من شرح الفواجع التي حلت بأهل البيت، وقد رأينا من قبل أن المناحة كانت تقام لإنشاد تلك البائية، ولننظر قوله في التوجع لمصاب الحسين:
ومن أكبر الأحداث كانت مصيبة
علينا قتيل الأدعياء الملحب
8
قتيل بجنب الطف من آل هاشم
فيا لك لحما ليس عنه مذبب
Halaman tidak diketahui