Macqul dan La Macqul dalam Warisan Pemikiran Kita

Zaki Najib Mahmud d. 1414 AH
78

Macqul dan La Macqul dalam Warisan Pemikiran Kita

المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري

Genre-genre

إن دراستنا للتراث دراسة واعية تنتهي بنا هي نفسها إلى ترك مادة التراث من حيث هي مضمون فكري بذاته وخصائصه، وإني ليحضرني هنا موقف مشابه لما أريد قوله، وهو موقف الفيلسوف التحليلي المعاصر «فتجشتين» في كتابه المكثف الغزير «رسالة في المنطق الفلسفي»؛ وذلك بأن جعل آخر عبارة في كتابه تقول ما معناه: إن هذه الرسالة تكون قد أدت غرضها إذا هي علمت القارئ كيف يستغني عنها، فكأنها سلم خشبي يصعد عليه الصاعد إلى حيث يريد، ثم يقذف به لأنه لم يعد يريد النزول إلى حيث كان، فكم هي مواقف الأعظمين من آبائنا، التي رفضوا بها إهدار آدميتهم أمام النماذج المثلى ! فالنموذج يكفيه أن يقيم للإنسان الشخصية التي تستطيع بعد ذلك أن تستغني عنه لتشق طريقها على نحو مستقل فريد.

ونعود إلى ابن جني في السياق الذي كنا بصدد الحديث عنه، وهو سياق القول في الإمامة العلمية للعلماء السابقين متى تجوز ومتى لا تجوز، وهي - عنده - لا تجوز إذا وثق المرء من سداد منهجه العقلي عند النظر إلى مسألة مطروحة، فهو في ذلك يقول أيضا في موضع آخر ما معناه: إن ما يثبت لك بالدليل العقلي لم يعد بك حاجة إلى البحث له عن شاهد عند الأقدمين يؤيده، وهذه هي عباراته: «أما إذا دل الدليل، فإنه لا يجب إيجاد النظير ... لأن إيجاد النظير بعد قيام الدليل إنما هو للأنس به لا للحاجة إليه، فأما إن لم يقم دليل فإنك محتاج إلى إيجاد النظير» (ج1، ص197).

38

وننتقل مع ابن جني إلى موضوع آخر يطرحه ويرى فيه الرأي، وهو موضوع أقرب جدا إلى ما يكثر فيه اللغط في أيامنا هذه، عما يسمونه بالشكل والمضمون؛ أيهما أولى بالعناية ليصبح الأدب أدبا والفكر فكرا؟ كأنما الفصل بينهما ممكن إلا في التحليل الذهني، غير أن الموضوع على يدي ابن جني يركز على ناحية اللفظ والمعنى، وذلك دفعا للتهمة التي وجهت إلى اللغة العربية من أنها تعنى باللفظ أكثر من عنايتها بالمعنى، وسننقل - في شيء من الإفاضة - ما قاله ابن جني في دفعه للتهمة ودفاعه عن العربية، ثم قد يكون لنا بعد ذلك تعقيب برأي نراه؛ يقول: «... إن العرب كما تعنى بألفاظها فتصلحها وتهذبها وتراعيها وتلاحظ أحكامها، بالشعر تارة، وبالخطب أخرى، وبالأسجاع التي تلتزمها وتتكلف استمرارها، فإن المعاني أقوى عندها، وأكرم عليها، وأفخم قدرا في نفوسها.

فأول ذلك عنايتها بألفاظها؛ فإنها لما كانت عنوان معانيها، وطريقا إلى إظهار أغراضها ومراميها، أصلحوها ورتبوها، وبالغوا في تحبيرها وتحسينها؛ ليكون ذلك أوقع لها في السمع، وأذهب بها في الدلالة على القصد، ألا ترى أن المثل إذا كان مسجوعا، لذ لسامعه فحفظه؟ فإذا هو حفظه كان جديرا باستعماله؟ ولو لم يكن مسجوعا لم تأنس النفس به، ولا أنقت لمستمعه، وإذا كان كذلك لم تحفظه، وإذا لم تحفظه لم تطالب أنفسها باستعمال ما وضع له، وجيء به من أجله، وقال لنا أبو علي يوما: قال لنا أبو بكر [المقصود هو ابن السراج]: إذا لم تفهموا كلامي فاحفظوه؛ فإنكم إذا حفظتموه فهمتموه، وكذلك الشعر؛ النفس له أحفظ، وإليه أسرع، ألا ترى أن الشاعر قد يكون راعيا جلفا، أو عبدا عسيفا، تنبو صورته وتمج جملته [وربما كان الصواب «خلقته»] فيقول ما يقوله من الشعر، فلأجل قبوله، وما يورده عليه من طلاوته وعذوبة مستمعه، ما يصير قوله حكما يرجع إليه ويقتاس به؟» (ج1، ص215-216). «فإذا رأيت العرب قد أصلحوا ألفاظها وحسنوها، وحموا حواشيها وهذبوها، وصقلوا غروبها وأرهفوها، فلا ترين أن العناية إذ ذاك إنما هي بالألفاظ، بل هي عندنا خدمة منهم للمعاني، وتنويه بها وتشريف منها، ونظير ذلك إصلاح الوعاء وتحصينه ، وتزكيته وتقديسه، وإنما المبغي بذلك منه الاحتياط للموعى عليه، وجواره بما يعطر بشره، ولا يعر جوهره، كما قد نجد من المعاني الفاخرة السامية ما يهجنه ويغص منه كدرة لفظه وسوء العبارة عنه» (ص217). «ويدلك على تمكن المعنى من أنفسهم، وتقدمه للفظ عندهم، تقديمهم لحرف المعنى في أول الكلمة، وذلك لقوة العناية به، فقدموا دليله ليكون ذلك أمارة لتمكنه عندهم؛ وعلى ذلك تقدمت حروف المضارعة في أول الفعل، إذ كن دلائل على الفاعلين: من هم؟ وما هم؟ وكم عدتهم؟ نحو أفعل، ونفعل، وتفعل، ويفعل» (ص225). «أفلا ترى إلى حروف المعاني: كيف بابها التقدم؟ وإلى حروف الإلحاق والصناعة: كيف بابها التأخر؟ فلو لم يعرف سبق المعنى عندهم وعلوه في تصورهم إلا بتقدم دليله وتأخر دليل نقيضه، لكان مغنيا من غيره كافيا.

وعلى هذا حشوا بحروف المعاني، فحصنوها بكونها حشوا، وأمنوا عليها ما يؤمن على الأطراف المعرضة للحذف والإجحاف؛ وذلك كألف التكسير وياء التصغير، نحو دارهم ودريهم، وقماطر وقميطر، فجرت في ذلك - لكونها حشوا - مجرى عين الفعل المحصنة في غالب الأمر، المرفوعة عن حال الطرفين من الحذف » (ص225). «... فهذا يدلك على ضنهم بحروف المعاني، وشحهم عليها، حتى قدموها عناية بها، أو وسطوها تحصينا لها» (ص226).

تلك نصوص مما قاله ابن جني دفعا للتهمة الموجهة إلى العربية بأن معظم عنايتها منصرف إلى اللفظ لا إلى المعنى، فيبين في شيء من البراعة، كيف أن طرائق بناء الألفاظ نفسها تدل على أنها إنما صيغت على نحو يضمن للفظة وجود الحرف الذي هو ذو علاقة وثيقة بالمعنى.

ولست أملك أن أقول شيئا سوى أن الشقة بعيدة بين «المعنى» الذي نبحث عنه حين نقول عن الكاتب: إنه يعنى باللفظ دون المعنى، و«المعنى» الذي يتحدث عنه ابن جني، فهو مشغول بمعنى اللفظة الواحدة، ونحن يشغلنا المعنى المراد تأديته من مقالة أو من كتاب أو من قصيدة أو قصة أو مسرحية، فالمعنى في استعماله هو كالإشارة إلى المسمى، والمعنى في استعمالنا هو كالفكرة المراد تحليلها وتقويمها، وإنه لشرح يطول بي لو أردت هنا أن أؤيد الاتهام تأييدا فيه كثير من التحفظ، فلم تكن العناية باللفظ أغلب على العناية بالمعنى في مجالات الفقه والفلسفة والرحلات والعلوم، لكنها أغلب في مجالات الأدب بمعناه الضيق من شعر ونثر فني، فها هنا نقول: إن ما نراه هو أن الشاعر والناثر قد يكتبان كثيرا ولا يقولان إلا قليلا؛ لأن معظم العناية بالصقل والتزويق وإظهار القدرة اللغوية بالإكثار من المترادفات، حتى لتتصيد المعنى تصيدا.

39

ولنقف معه عند موضوع آخر ذي شأن كبير في فلسفة اللغة، وكيف أن هذه الفلسفة كثيرا ما تكشف لنا عن مبادئ النظر الأولية عند أصحاب اللغة المعنية؛ ما طبيعتها ومنحاها؟

Halaman tidak diketahui