Macqul dan La Macqul dalam Warisan Pemikiran Kita
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
Genre-genre
وأما المسألة العاشرة فخاصة بماذا يكون، أو بمن ذا يكون حجة علينا في قبول ما تعنيه النصوص القرآنية؟ هبنا قد وقفنا عند حكم شرعي نختلف على إسناده إلى نص من القرآن، فمن ذا يكون فيصلا في هذا الخلاف؟ أنقبل إجماع الناس على أحد الرأيين حجة مقبولة؟ لا، هكذا يجيب «النظام»؛ فليس الإجماع عنده بحجة على أحد. إذن هل نستند إلى القياس، بحيث نحكم على القضية المطروحة بما حكمنا به على قضية أخرى شبيهة بها؟ لا، هكذا مرة أخرى يجيب «النظام»؛ فمثل هذا القياس لا يصلح في الأحكام الشرعية. وأما الحجة الحاسمة - في رأيه - فهي أن يكون لنا «إمام» معصوم من الخطأ، عصمة مردها إلى أن أحكامه موحى بها إليه من الله تعالى؛ وعلى ذلك فلا محيص للناس عن مثل هذا الإمام المعصوم، وهو نفسه مذهب الشيعة، لا سيما فريق «الإمامية» منهم، وإنا لنلحظ - مرة أخرى - تناقضا واضحا في هذا الموقف من «النظام»، أيريد أن يستند إلى «العقل» أم لا يريد؟ لقد ظننا في المعتزلة جميعا - «نظاما» وغير نظام - أنهم أصحاب منطق عقلي، وهكذا وجدناهم في معظم الحالات، وإذن فلا حرج من أن نقف موقف المتردد أمام «النظام». وموضع التناقض - فيما نرى - أنه لو كانت الحجة تستلزم قيام إمام معصوم يلهم الفكرة السديدة من الله تعالى، ثم ينقلها إلينا لنكون على هدى، فأين فاعلية «العقل» هنا؟ ومن جهة أخرى، لو كان سندنا في الأحكام هو الأدلة «العقلية» فما حاجتنا عندئذ إلى إمام؟
لقد كان أبو العلاء المعري أصفى نظرا حين أدرك أن الركون إلى إمامة والاحتكام إلى عقل هما ضدان لا يجتمعان، وذلك حين قال:
كذب الظن، لا إمام سوى العق
ل مشيرا في صبحه والمساء
ولقد استطرد «النظام» في حديثه عن «الإمام» حتى انتقل به إلى المسألة الحادية عشرة من مسائله؛ وذلك أن القائلين «بالإمامة» يومئذ، لم يكونوا جميعا على رأي واحد في الأساس الذي يقيمون عليه ذلك الرأي، فكان بعضهم يشترط أن يكون أمام الناس نص فيه تعيين ظاهر مكشوف لمن ذا يكون هو الإمام؛ لأنك قد تقبل فكرة «الإمامة» ثم تختلف في صاحب الحق فيها، وكان «النظام» ممن يشترطون قيام نص واضح يبين شخص الإمام، فأخذ مع من أخذ بأن ثمة نصا معينا منسوبا إلى النبي عليه السلام، يجعل الإمامة لعلي، وكان الصواب أن يكون علي هو الخليفة الأول بعد موت النبي عليه السلام، لولا أن عمر بن الخطاب قد كتم هذا النص عن الناس؛ لتتم البيعة لأبي بكر يوم السقيفة (!).
وينتقل النظام إلى المسألة الثانية عشرة، فإذا هو «عقل» صرف ! وذلك لأنه زعم أنه لو لم يكن هناك وحي يهدينا إلى معرفة الذات الإلهية، لكان في وسع المفكر بمحض عقله أن يحصل تلك المعرفة عن طريق الاستدلالات المنطقية وحدها.
وختم «النظام» مسائله بعرض لمشكلة «الوعد والوعيد» التي تمس فكرة «العدل» الإلهي، أفيكون أو لا يكون عدلا من الله أن يفلت مرتكب الذنب مما توعده الله به من عقاب، وأن يحرم المطيع مما وعده الله به من ثواب؟ ففي هذا يأخذ المعتزلة جميعا بأن الوعد بالثواب والوعيد بالعقاب واقعان حتما كما أراد لهما الله، وإلا لانتفى العدل، على حين عارضهم آخرون بقولهم إنه ليس من حق الإنسان أن يحدد معنى العدل الإلهي بمقولات بشرية، فهو تعالى مطلق العلم ومطلق القدرة، لا تحد علمه أو قدرته حدود.
أما بعد، فها نحن أولاء قد تركنا بغداد - في رحلتنا - بعد أن شهدنا بها نشاط الترجمة عن علوم اليونان وفلسفتهم، وتلفتنا حولنا لنرى أحدا من أصحاب «العقل» عندئذ، لنعلم إلى أي حد تأثروا في نظراتهم بالمنقول عن اليونان، فلما علمنا بوجود علمين من أعلام المعتزلة - وهم من هم من نظر عقلي إلى المسائل المعروضة - في البصرة، وهما «العلاف» شيخ المعتزلة، و«النظام» الذي تتلمذ عليه لكنه تفوق، أقول إننا لما علمنا بوجود هذين العلمين في البصرة، آثرنا أن نقطع الرحلة برجعة قصيرة الأمد، نرجع بها إلى البصرة، فنلتقي بهذين الرجلين، نستمع إلى شيء مما يقولانه، فلما ألممنا إلمامة موجزة بما كانا يشتغلان به، تركناهما والذهن يملؤه سؤالان يريدان الجواب؛ أولهما: كم عند هذين الرجلين من زاد عقلي يمكن الرجوع به إلى عصرنا الراهن لنقدمه إلى أهله؟ وثانيهما: كم تأثر هذان الرجلان بما نقله الناقلون عن فلسفة اليونان الأقدمين؟
لست أريد لأحد أن يأخذ عني الرأي، لكن ذلك لا يمنعني من عرضه سريعا موجزا، وهو أنني لم أشعر أثناء قراءتي لهذين الرجلين أنهما يسعفانني بشيء أعالج به مسائل عصري، كما أني لم أجد عندهما إلا قليلا من زاد اليونان المنقول، برغم علمي أن ما يشبه الإجماع بين الباحثين في هذا الميدان من معاصرينا، يقرر تسرب هذا الزاد اليوناني إلى شرايين الفكر المعتزلي، وأيا ما كان الأمر، فليس هو من قبيل الامتياز لهم، ولا هو من قبيل النقص الذي يؤخذ عليهم، أن تكون مسائلهم الشاغلة لعقولهم مختلفة أشد اختلاف عن مسائلنا التي تشغل عقولنا، أو أن يكونوا قد تزودوا بزاد يوناني أو لم يتزودوا، لكنه انطباع انطبعت به وأردت إثباته، وللقارئ أن يعتقد في كل ذلك بما يشاء.
لكني لو أفرغت وقفة المعتزلة كما وجدتها عند «العلاف» و«النظام» من مضمونها الفكري، أعني لو أفرغتها من المسائل المعينة التي شغلتهم فعرضوها، لبقي لي «إطار» هو إطار النظر العقلي، الذي يحاول أن يحتكم إلى الاستدلال المنطقي الذي لا تشوبه الأهواء، وعندئذ سيكون هذا الإطار العقلي هو أنفس ما أعود به إلى معاصري من أبناء القرن العشرين، ألسنا نبحث عن الرباط الحيوي الذي يرتبط به الأبناء مع الآباء؟ إنه - فيما أزعم - هو النظرة العقلانية المنزهة عن الهوى، كلما كان الأمر المعروض للبحث ضاربا بجذوره في أسس الحياة، لا مجرد فروع نامية على السطح مما يجوز أن يتمايز به الأفراد.
Halaman tidak diketahui