Macqul dan La Macqul dalam Warisan Pemikiran Kita
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
Genre-genre
21
ولنترك هذه الردة نحو «اللامعقول» على جانب الطريق؛ كي نمضي نحو معقل للعقل هو من أعتى حصونه على طول التاريخ، وأعني به بغداد وهي في أوجها، لكن أين بغداد؟ لقد كنا نتحدث منذ برهة قصيرة عن مقتل أبي مسلم الخراساني على يدي المنصور - ثاني خلفاء الدولة العباسية - وما نجم عن ذلك الحادث من نتائج في دنيا الثقافة التي خلفها لنا السابقون، وكانت بغداد عندئذ لم ينشأ منها جدار؛ فقد كان المنصور إلى ذلك الحين يقيم بالكوفة، فلما ثارت عليه «الراوندية» فيها - على نحو ما أشرنا منذ قليل - كره الإقامة حيث كان يقيم، فخرج بنفسه يرتاد له موضعا يسكنه هو وجنده.
وتأبى كتب التاريخ القديم - عندنا وعند سوانا - إلا أن تحيط كل حدث عظيم بما يتناسب مع جسامته من أساطير، حتى لتكاد الخرافة تتناسب تناسبا مطردا مع جسامة الحدث، والحدث الذي نحن مقبلون على الرواية عنه، هو بناء بغداد، وأما الأساطير التي شاعت حول بنائها، فمنها (ونحن ننقل عن الكامل لابن الأثير) أنه بينما المنصور يصوب هنا ويصعد هناك باحثا عن مكان يستقر فيه وهو آمن، تصادف أن تخلف عنه أحد جنده لرمد أصابه، فسأله الطبيب الذي يعالجه عن حركة المنصور؛ ما سببها؟ فأخبره، فقال الطبيب: إن كتابا عندهم يقص قصة عن رجل يدعى «مقلاصا» يبني لنفسه مدينة في المكان الفلاني، حتى إذا ما أقام أساسها، وبنى بعض دورها، سمع بثورة عليه في الحجاز، فيقطع بناء مدينته حتى يقضي على تلك الثورة، وما إن عاد إلى مواصلة البناء، سمع بثورة أخرى في البصرة، فيقطع البناء مرة أخرى ليقضي عليها، ثم يعود بعد ذلك إلى بناء مدينته فيتمه، ثم يعمر عمرا طويلا، ويبقى الملك في عقبه.
فأسرع ذلك الجندي إلى حيث كان المنصور ليخبره بما قد سمع من الطبيب، فقال المنصور متفائلا: إني والله كنت أدعى مقلاصا وأنا صبي، وسار من فوره حتى نزل الدير الذي يقع حذاء قصره المعروف بالخلد، وجمع بطارقة الدير يسألهم عن مواطنهم كيف هي في الحر والبرد والأمطار والوحول والهوام؟ فلما أخبره كل منهم بما عنده في إقليمه، وقع اختياره على بغداد فاستدعى صاحب بغداد يسأله أن يفصل القول في خصائص هذا الموضع، فأخذ الرجل يذكر له من الخصائص ما أغراه بأن يكون موضع بغداد هو مقصده.
وأمر فخطت المدينة، وحفر الأساس، وضرب اللبن، وطبخ الآجر، وكان أول ما ابتدأ به منها أنه أمر بخطها بالرماد، فدخلها من أبوابها وفصلانها وطاقاتها ورحابها وهي مخطوطة بالرماد، ثم أمر أن يجعل على الرماد حب القطن ويشعل بالنار، ففعلوا، فنظر إليها وهي تشتعل، فعرف رسمها، وأمر أن يحفر الأساس على ذلك الرسم.
وكذلك أمر باختيار قوم من ذوي الفضل والعدالة والفقه، ومن ذوي الأمانة والمعرفة بالهندسة، فكان ممن أحضر أبو حنيفة، الذي طلب إليه المنصور أن يجعل مهمته عد الآجر واللبن، مع أنه قد اختاره أول الأمر ليتولى القضاء، فلما أن تلقى أبو حنيفة الأمر بعد الآجر واللبن، وقف صامتا، حلف المنصور أنه لن يتركه حتى يؤدي له تلك المهمة أولا، فأجابه أبو حنيفة أن يلجأ إلى القصب في عد ما أراد عده، فكانت هذه أول مرة تستخدم فيها هذه الطريقة الهندسية من القياس، وكان أن وضع المنصور بيده أول لبنة (وعلى نحو ما نفعل اليوم في وضع حجر الأساس) قائلا: بسم الله، والحمد لله، والأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، ثم قال: ابنوا على بركة الله، وكان ذلك عام 765م.
كان خالد بن برمك بين من شاورهم المنصور في بناء بغداد، وقيل: إنه هو الذي خطها، فاستشاره في نقض إيوان كسرى واستخدام نقضه في بناء المدينة الجديدة، فأجابه خالد (وهو فارسي ينتمي إلى البلد الذي كان ينتسب إليه الإيوان المراد هدمه): لا أرى ذلك؛ لأنه علم من أعلام الإسلام، يستدل به الناظر على أنه لم يكن ليزال مثل أصحابه عنه بأمر دنيا، وإنما هو على أمر دين، ومع هذا ففيه مصلى علي بن أبي طالب، قال المنصور: لا، أبيت يا خالد إلا الميل إلى أصحابك العجم! وأمر بنقض القصر الأبيض، فنقضت ناحية منه، وحمل نقضه، فوجد أن نفقات الهدم ونقل الأنقاض أكثر مما لو بني البناء الجديد بالحديد! فدعا المنصور خالد بن برمك ليعلمه بذلك، فقال خالد: يا أمير المؤمنين، فقد كنت أرى ألا تفعل، فأما إذ فعلت فإنني أرى أن تهدم؛ لئلا يقال: إنك عجزت عن هدم ما بناه غيرك! لكن المنصور أعرض عن الهدم، ولقد أوردت كلام خالد بن برمك لما أحسسته فيه من رنة الفخر بأصله الفارسي، والشماتة بعجز الجديد وتقصيره عن مجد آبائه.
جعل المنصور المدينة مدورة لئلا يكون بعض الناس أقرب إلى السلطان من بعض، سابقا بفكرته هذه الملك آرثر ومائدته المستديرة، وبنى المنصور قصره في وسط المدينة والمسجد الجامع بجانبه.
في هذا الحصن الحصين اعتصم «العقل» حينا من الزمن غير قصير، فليكن لنا فيه وقفات هنا وهناك، لننظر إلى الموكب العقلي العظيم، يمر على مسرح التاريخ، مغمضا عينيه عن سخافات اللامعقول التي كانت في تلك الفترة نفسها تظهر كصرخات المجانين ، تؤله رجلا هنا، وتفك قيود الأخلاق العامة هناك، ولتكن أولى وقفاتنا في «بيت الحكمة» (832م) أيام الخليفة المأمون.
جاء في «الفهرست» لابن النديم أن المأمون قد رأى في منامه كأن رجلا أبيض اللون مشربا حمرة، واسع الجبهة مقرون الحاجب، أجلح الرأس أشهل العينين، حسن الشمائل، جالس على سريره، قال المأمون: وكأني بين يديه قد ملئت له هيبة: - من أنت؟ - أنا أرسطاليس.
Halaman tidak diketahui