Macqul dan La Macqul dalam Warisan Pemikiran Kita
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
Genre-genre
لكم أشعر في ضميري بأنس المطمئن حين أجد واحدا من أعلام القدماء يتصدى لمثل الحديث الذي أوردناه عن ابن عربي ، أو عن الحكيم الترمذي أو غيرهما بالتفنيد، ولو من وجه واحد دون سائر الوجوه؛ فإن ذلك وحده لكفيل لنا بجواز التفنيد على إطلاقه، في هذا الوجه الواجد أو في غيره من الوجوه؛ فلست أكذب مخادعا للقارئ إذا قلت في صراحة تامة بأن حدود إدراكي لم تتسع قط - ولا أريد لها أن تتسع - لترى في أقوال الصوفية هؤلاء نفعا أقل نفع لنا، اللهم إلا إذا أخذناها مأخذ التعبير الشعري الذي ينفض فيه صاحبه ما تعتمل به نفسه بطريقة الشعراء، وعندئذ لا يدل القول إلا على صاحبه، وأما سائر الناس فلا تقع عليهم تبعة القبول.
لقد أسلفت رأيا عرضته بين يدي القارئ، وهو أن نحاول قراءة ما كتب عن «الأولياء» قراءة عصرية، فنفهم كلمة «الأولياء» على أنها تعني اليوم علماء الرياضة والطبيعة والدراسات الإنسانية كما نفهمها الآن، ومبرر ذلك عندي هو أنه إذا كان أولياء الماضي وسيلة معرفة بالله حتى عرفناه جهد طاقتهم وطاقتنا، فوسائل معرفتنا اليوم هم العلماء، لكنني إذ أقترح هذه المحاولة في الفهم لينساب قديم في جديد، فإني لا أجد في اقتراحي هذا مكانا لما أسموه ب «خاتم الأولياء»؛ لأن العلماء لن يكون لهم خاتم يسد الطريق على سواه.
وسأثبت فيما يلي أسطرا من «ابن تيمية» يتصدى فيها بالتفنيد لفكرة «خاتم الأولياء»؛ مما لا يجعل في موقفنا بدعا منكورا، يقول: «... إن دعوى المدعي وجود خاتم الأولياء باطل لا أصل له، ولم يذكر هذا أحد من المعروفين قبل هؤلاء إلا أبو عبد الله محمد بن علي الترمذي الحكيم في كتاب «ختم الولاية»، وقد ذكر في هذا الكتاب ما هو خطأ وغلط مخالف للكتاب والسنة والإجماع، وهو - رحمه الله تعالى - وإن كان فيه فضل ومعرفة ... ففي كلامه من الخطأ ما يجب رده؛ ومن أشنعها ما ذكره في ختم الولاية: مثل دعواه فيه أن يكون في المتأخرين من درجته عند الله أعظم من درجة أبي بكر وعمر وغيرهما، ثم إنه تناقض في موضع آخر، لما حكى عن بعض الناس أن «الولي» يكون منفردا عن الناس، فأبطل ذلك واحتج بأبي بكر وعمر، وقال: «يلزم هذا أن يكون (أي الولي المعتزل) أفضل من أبي بكر وعمر.» وأبطل ذلك ... ومنها (أي من أخطاء الحكيم الترمذي) ما ادعاه من خاتم الأولياء، الذي يكون في آخر الزمان، وتفضيله وتقديمه على من تقدم من الأولياء، وأنه يكون معهم كخاتم الأنبياء مع الأنبياء، وهذا ضلال واضح؛ فإن أفضل أولياء الله من هذه الأمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلى وأمثالهم من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ... ولفظ «خاتم الأولياء» لا يوجد في كلام أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله؛ وموجب هذا اللفظ أنه آخر مؤمن تقي ... مع أن كل من كان مؤمنا تقيا كان لله وليا ... وإذا كان خاتم الأولياء آخر مؤمن تقي في الدنيا، فليس ذلك الرجل أفضل الأولياء ولا أكملهم، بل أفضلهم وأكملهم سابقوهم الذين هم أخص بأفضل الرسل من غيرهم ... والأولياء - وإن كان فيهم محدث (أي ملهم) - كما ثبت في الصحيحين عن النبي
صلى الله عليه وسلم
أنه قال: «إنه كان في الأمم قبلكم محدثون، فإن يكن في أمتي، فعمر.» فهذا الحديث يدل على أن أول المحدثين من هذه الأمة عمر، وأبو بكر أفضل منه إذ هو الصديق، والمحدث، وإن كان يلهم ويحدث من جهة الله تعالى، فعليه أن يعرض ذلك على الكتاب والسنة؛ فإنه ليس بمعصوم.
ثم إن خاتم الأولياء هذا (ما زلت أنقل كلام ابن تيمية) صار مرتبة موهومة لا حقيقة له، وصار يدعيها لنفسه أو لشيخه طوائفه، وقد ادعاها غير واحد، ولم يدعها إلا من في كلامه من الباطل ما لم تقله اليهود ولا النصارى، كما ادعاها صاحب الفصوص (يقصد ابن عربي صاحب «فصوص الحكم»)، وتابعه صاحب الكلام في الحروف (ربما كانت الإشارة إلى الفارابي في «كتاب الحروف»)، وآخر كان يزعم أنه المهدي الذي يزوج بنته بعيسى بن مريم وأنه خاتم الأولياء.
ثم إن صاحب الفصوص وأمثاله بنوا الأمر على أن الولي يأخذ عن الله بلا واسطة، والنبي يأخذ بواسطة الملك؛ ولهذا صار خاتم الأولياء أفضل عندهم من هذه الجهة، وهذا باطل وكذب! فإن الولي لا يأخذ عن الله إلا بواسطة الرسول إليه، وإذا كان محدثا (أي ملهما) فقد ألقي إليه شيء وجب عليه أن يزنه بما جاء به الرسول من الكتاب والسنة.
وتكليم الله لعباده على ثلاثة أوجه: من وراء حجاب كما كلم موسى، وبإرسال رسول كما أرسل الملائكة إلى الأنبياء، وبالإيحاء. وهذا (الأخير) فيه للولي نصيب، وأما المرتبتان الأوليان فإنهما للأنبياء خاصة، والأولياء الذين قامت عليهم الحجة بالرسل لا يأخذون علم الدين إلا بتوسط رسل الله إليهم، فكيف يكونون آخذين عن الله بلا واسطة، ويكون هذا الأخذ أعلى، وهم لا يصلون إلى مقام تكليم موسى، ولا إلى مقام نزول الملائكة عليهم كما نزلت على الأنبياء؟ وهذا دين المسلمين واليهود والنصارى.
وأما هؤلاء الجهمية الاتحادية (الكلام ما يزال لابن تيمية) فبنوا على أصلهم الفاسد أن الله هو الوجود المطلق الثابت لكل موجود، وصار ما يقع في قلوبهم من الخواطر، وإن كانت من وساوس الشيطان، يزعمون أنهم أخذوا ذلك عن الله بلا واسطة، وأنهم يكلمون كما كلم موسى بن عمران، وفيهم من يزعم أن حالهم أفضل من حال موسى بن عمران؛ لأن موسى سمع الخطاب من شجرة، وهم - على زعمهم - يسمعون الخطاب من حي ناطق ... وفي دعواهم أن خاتم الأولياء أفضل من خاتم الأنبياء من بعض الوجوه ... وأعظم من ذلك، زعم «ابن عربي» أن الأولياء والرسل - من حيث ولايتهم - تابعون لخاتم الأولياء، وأخذوا من مشكلاته، فهذا باطل بالعقل والدين؛ فإن المتقدم لا يأخذ من المتأخر، والرسل لا يأخذون من غيرهم ...» (من «حقيقة مذهب الاتحاديين» لابن تيمية، ص115-123).
لست أعتذر للقارئ عن طول العبارة التي أقتبسها من ابن تيمية في تكذيبه لما زعمه الزاعمون - ومنهم الحكيم الترمذي وابن عربي والسهروردي - عن الأولياء وعن خاتم الأولياء؛ فقد أردت أن أبين للقارئ موقف إمام فقيه في بعض ما يقال عن هؤلاء؛ كي ينفتح لنا طريق العقل فنضيف ما نراه بدورنا متعذر القبول، لا سيما إذا انتقلنا من المحيط الثقافي الذي أحاط بتلك المشكلة حين تحدث عنها من تحدث من الأقدمين، إلى محيطنا الثقافي في عصرنا هذا الذي نعيش فيه؛ فربما تعاطف قارئ هذا الكتاب مع كاتبه في إحالة المشكلة برمتها على دنيا اللامعقول في تراثنا؛ ومن ثم يصبح تناولها مشروطا بطبيعتها هذه.
Halaman tidak diketahui