Macqul dan La Macqul dalam Warisan Pemikiran Kita

Zaki Najib Mahmud d. 1414 AH
126

Macqul dan La Macqul dalam Warisan Pemikiran Kita

المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري

Genre-genre

64

تفتح الطبيعة كتابها لكل ذي عينين فيقرأ قوانينها في ظواهرها، ثم يتعامل معها على أساس تلك القوانين، وعندئذ يركب هواءها ويغوص في مائها ويستنبت أرضها ويستخرج خبيئها أشكالا وألوانا، على أن يتم له ذلك كله في إطار قوانينها، على غرار ما يتحدث إنسان إلى إنسان بلغته ليتفاهما، وذلك هو سبيل «العقل»، لكن سبيل العقل إنما هو سبيل الأقوياء الصابرين على إمعان النظر في ظواهر الطبيعة لمعرفة طرائقها في السير والفعل والتفاعل. أما إذا أقعد العجز نفرا عن متابعة العقل في سبيله، ثم ظلوا على رغبتهم في استخدام الطبيعة لأغراضهم، فماذا يبقى أمامهم سوى أن يلتمسوا لأنفسهم طريقا مختصرا إلى الغاية المنشودة؟ هل يريدون للمريض أن يشفى من علته؟ إذن فلماذا يبحثون ويفحصون فيصدعون رءوسهم بالبحث والفحص عن أصل العلة من جراثيم وغير جراثيم؟ إن فلانا الفلاني قد كرمه الله بأن جعل فيه السر المكنون، ويستطيع أن يكتب لك أحرفا هو عليم بقدراتها، فإذا هي الوسيلة العاجلة إلى شفاء سريع! أم هل يريدون طعاما من جوع وليس في الدار ما يتبلغ به الجائعون؟ إذن فلا عليهم من ارتياد الأسواق واجتلاب الأرزاق من مصادرها، فها هو ذا فلان الفلاني على صلة بالسماء تمكنه من لمسة بأصابعه أو تمتمة بشفتيه، فإذا قدور الدار ملأى باللحم والمرق والأرز وما شاءوا من ألوان الطعام! وتلك «كرامات» يهبها الله لمن شاء من عباده المقربين، كأنما الله سبحانه يرضيه أن تسري الفوضى في مخلوقاته بدل أن تنتظمها قوانينها!

جاء في «الرسالة القشيرية في علم التصوف» عن الكرامات قوله: «ظهور الكرامات على الأولياء جائز، والدليل على جوازه أنه أمر موهوم حدوثه في العقل، لا يؤدي حصوله إلى رفع أصل من الأصول، فواجب وصفه - سبحانه - بالقدرة على إيجاده، وإذا وجب كونه مقدور الله سبحانه فلا شيء يمنع جواز حصوله.» ونحب أن نسوق على هذا القول العجيب ملاحظتين: الأولى هي أنه إذا كانت الكرامات جائزة الحدوث على مقتضيات «العقل» كما يزعم صاحب «الرسالة»، فما حاجته بعد ذلك إلى التعليل بقدرة الله تعالى على إيجاد الكرامات؟ إن هذا التعليل الأخير إنما يعني أن الله هو القادر على أن يغير من مجرى الطبيعة كما يشاء، ثم له تعالى أن يهب هذه القدرة لمن يشاء، فتكون النتيجة هي «كرامات» هؤلاء القادرين، وأما إذا وسعنا من مجال التطبيق بحيث يشمل كل ظاهرة طبيعية في الأرض أو في السماء، مما يقع تحت حساب العلوم، فأين يكون امتياز أصحاب الكرامات؟ والملاحظة الثانية هي أن صاحب «الرسالة» قد أطلق لنفسه الأعنة كلها، لا العنان الواحد، في استخدامه لكلمة «عقل» حين قال إن ظهور الكرامات جائز لأنه أمر لا يناقض «العقل». إن أبسط معاني «العقل» هو أن نفهم الكلمة بمعناها اللغوي، وهو أنه «عقال» أو «قيد» يحد من حرية الحركة فلا يجعلها سائبة تتجه أينما شاءت الرغبات، فمن بين الطرق الكثيرة التي قد ينتهجها إنسان ما حيال موقف معين، طريق واحد يرضى عنه «العقل»، وأما الأخرى فممكنة الحدوث ولكن على أساس النزوة والهوى. إنه إذا كان طريق العقل في إبلال المريض من مرضه هو أن يحقن بالعقار الفلاني - مثلا - فكيف يكون طريقا للعقل أيضا أن يتمتم له صاحب الكرامة بكلمات فإذا الكلمات لها فعل العقار؟ إن طريق العقل واحد، وأما اللاعقل فله ألف ألف طريق؛ فقد كان من حق صاحب «الرسالة» أن يقول: «إن ظهور الكرامات على الأولياء جائز بغير دليل.» وأما أن يقول إنه جائز ب «دليل» أن «العقل» لا يناقضه فقد وضع فعل الكرامة - في هذه الحالة - على مستوى واحد مع سائر أفعال الظواهر الطبيعية التي ضبطها العلماء ضبطا رياضيا؛ أعني أنه بذلك قد أزال عن الكرامة خصوصيتها التي هي أن تجيء مضادة لما يجري على سنن العقل مما يستطيعه كل رجال العلوم.

وانظر إلى ما يقوله صاحب الرسالة القشيرية بعد أن أورد لنا عبارته السالفة الذكر: «هذه الكرامات قد تكون إجابة دعوة، وقد تكون إظهار طعام في أوان فاقة من غير سبب ظاهر (الحظ أيها القارئ قوله: «من غير سبب ظاهر.» لتزداد عجبا بعد ذلك أن يكون مما يتفق مع العقل أشياء تحدث من غير سبب ظاهر، وسنعود فيما بعد إلى التعليق)، أو حصول ماء في زمان عطش، أو تسهيل قطع مسافة في مدة قريبة، أو تخليص من عدو، أو سماع خطاب من هاتف، أو غير ذلك من فنون الأفعال الناقضة للعادة» (والحظ أيها القارئ مرة أخرى قوله: «الأفعال الناقضة للعادة»).

بناء على هذا القول، يمكن لصاحب الكرامة أن يظهر للجائعين خبزا «من غير سبب ظاهر»؛ أي إنه يستطيع إظهار الخبز دون أن يكون هنالك الدقيق، ولا القمح الذي يسبق الدقيق، ولا شجرة القمح التي تسبق حبات الغلال، ولا التربة التي تنمو عليها شجرة القمح؛ لأنه لو كانت هنالك هذه السوابق التي تسبق الخبز، لكان لظهور الخبز سبب ظاهر، أما وصاحب الكرامة يظهره «من غير سبب ظاهر» فلا بد أن يكون قد أظهره من العدم، من «لا شيء» من عالم غير هذا العالم. وسؤالنا الآن ليس هو: كيف يتم له ذلك، بل نقتصر على السؤال: وهل تكون هذه هي الحالة، ومع ذلك تكون مما لا يتناقض مع «العقل»؟ إن لمن شاء أن «يؤمن» بما شاء، على أن يكون على وعي كامل بأن إيمانه في مثل هذه الحالة هو من «اللاعقل»؛ حتى لا يخلط في حياته بين معقول ولا معقول، وحتى يمكن للحوار بيننا أن يقوم على أساس مقبول إذا ما قلنا: إن جانب اللامعقول من تراث أسلافنا لا يجوز أن نسمح له بالتسرب في حياتنا العقلية الحاضرة.

إن أصحاب اللاعقل في تراثنا، وأتباعهم ثم أتباع أتباعهم الذين ما يزالون يملئون رحاب الأرض، إنما ينظرون إلى الطبيعة وتصاريفها نظرة الساحر لا نظرة العالم، فما السحر؟ هو محاولة استحداث النتائج عن غير أسبابها؛ فإذا كان نزول المطر نتيجة لعوامل مناخية معينة، يحاولون هم أن يستنزلوه بقراءة التعازيم من كلم يظنون به القدرة على فعل ما يريدون، وإذا كانت مقاتلة العدو في ساحة الحرب بحاجة إلى دبابات وطائرات ومعها مهارة وتدريب عند المقاتلين حتى يمكن التغلب على ذلك العدو، فهم يأملون أن ينزلوا بعدوهم الهزيمة بكلمات الدعاء يوجهونها إلى السماء، وهكذا قل في شتى جوانب الحياة.

للكلمات عندهم، بل لأحرف هذه الكلمات، قوى سحرية تفعل الأعاجيب؛ فهذا هو الشيخ المتصوف الذي أتينا بفقرات من كتابه تصور لنا عقيدة الصوفي في قدراته الخوارق؛ أعني الشيخ نجم الدين الكبرى، هذا هو ينظر في أحرف المد الثلاثة: الألف والياء والواو، فلا يجدها مجرد أحرف للفتح والكسر والرفع، بل يجعل من الألف رمزا مشيرا إلى السماء، ومن الياء رمزا مشيرا إلى الأرض؛ وإذن فالألف تستدعي بقوتها قوى «الحق» العلوي، وأما الياء فنصيبها موجه نحو ما هو كائن على الأرض بما في ذلك قلب الإنسان بكل ما يختلج به من مشاعر، وأما الواو فشأنها آخر؛ لأنها وسط بين النصب والكسر؛ ولذلك فهي الحرف الذي يمثل «الروح» إذ الروح هي همزة الوصل بين «الحق» سبحانه، وبين الخلق من كائنات الأرض، فهي تسكن الأبدان الأرضية من جهة، لكنها تصعد إلى السموات العلا من جهة أخرى؛ ولهذا كانت الواو عند هذا الشيخ هي بمثابة الأمر الذي انتقل من قول الله تعالى: «كن» إلى المخلوقات التي تكونت بفعل ذلك الأمر. ويستطرد الشيخ في قوله، فيتناول قول الله عز وجل:

قل الروح من أمر ربي

بالتفسير، وهو يرى في ذلك أن هذه الآية الكريمة هي تفسير لمعنى الروح، وليس هو بالسكوت عن ذلك المعنى كما يشيع بين الناس؛ فالروح - التي يمثلها حرف الواو لوقوعه وسطا بين الألف والياء - هي «الأمر» الإلهي الصادر بقوله «كن» لما يراد خلقه «فيكون». وما دامت هذه الأحرف الثلاثة عنده لها هذه القوة، فلا بد أن يكون لها كذلك سلطان أي سلطان على خلق الأحداث أو تغيير مجراها (انظر «فوائح الجمال وفواتح الجلال» للشيخ نجم الدين الكبرى، ص53).

وهذا صوفي آخر، هو جعفر الخلدي، يتناول كلمة «الصمد» حرفا حرفا ليستشف قواها الكامنة في حروفها، فيقول إنها من حروف خمسة: ا ل ص م د؛ فأما «الألف» فدليل على أحديته، و«اللام» دليل على إلهيته، وهما مدغمان لا يظهران على اللسان ويظهران في الكتابة، فانطق بلسانك عبارة «الله الصمد» تجد أول حرف ورد على لسانك بعد اسم الجلالة هو حرف «الصاد»، وأما الألف واللام فيختفيان في النطق، لماذا؟ لأن أحديته وإلهيته خفية مستورة الحقيقة؛ وذلك لأنه لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس؛ فخفاؤه في اللفظ دليل على أن العقول لا تدركه ولا تحيط به علما، وأما إظهاره في الكتابة فدليل على أنه يظهر على قلوب العارفين، ويبدو لأعين المحبين في دار السلام. ثم ينتقل المتحدث الصوفي إلى الأحرف الثلاثة الباقية من كلمة «الصمد» - أي بعد تأويله لما يكمن في الألف واللام من رمز له قوته - فيقول إن حرف «الصاد» تشير إلى أنه - سبحانه - صادق، وإن «الميم» تدل على أنه مالك الملك، وأن كل ملك غير ملكه زائل، وأن «الدال» معناها دوامه - تعالى - في أبديته وأزليته (راجع كتاب «علم القلوب» تأليف: أبو طالب المكي، ص121).

Halaman tidak diketahui