Macqul dan La Macqul dalam Warisan Pemikiran Kita
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
Genre-genre
القسم الثاني
شطحات اللاعقل
الفصل الثامن
اللامعقول، ما هو؟
58
تتردد في عصرنا هذا كلمة «اللامعقول» على ألسنة المتحدثين وأقلام الكاتبين - وخصوصا في مجال النقد الأدبي - بحيث كثرت معانيها وتشعبت؛ مما يحتم علينا تحديد ما نريده نحن بهذه الكلمة في سياقنا هذا. فلقد كان يسيرا علينا أن نرتحل - خلال الفصول السابقة من هذا الكتاب - في دنيا «العقل» عند أسلافنا؛ لأن كلمة «العقل» قديمة الاستعمال مألوفة المعنى بدرجة مقبولة، برغم ما يكتنفها من تشعب في معناها عند المذاهب الفلسفية المختلفة.
وأما ونحن نهم الآن برحلة مضادة، نتعقب فيها بعض المعالم الرئيسية في دنيا «اللاعقل» من حياتهم، فينبغي أن نطيل الوقوف عند تحديد اللاعقلي ما هو؟
وأول ما يرد إلى الخاطر، هو أن ننظر في معنى «العقل»، فيكون معنى «اللاعقل» هو نقيضه، لكنك ما تكاد تبدأ في تعريف «العقل» مستعينا في ذلك بما تعلمه من فكر فلسفي، حتى تجد المسالك أمامك قد تفرقت مذاهب، وعليك قبل التعريف أن تحدد لنفسك وقفة فلسفية عامة لتأخذ من معاني «العقل» ما يناسب تلك الوقفة المختارة؛ فلو كنت نصيرا لما يسمونه بالمصطلح الفلسفي «مثاليا» أو «عقلانيا»، كان معنى «العقل» عندك هو أن يولد الإنسان وفي فطرته مبادئ أولية، تقام عليها بعدئذ كل طرائق البرهان، كأن تولد - مثلا - وفي فطرتك علم بأن النقيضين لا يجتمعان معا في شيء واحد ومن جهة واحدة وفي لحظة بعينها، بحيث تحس بالرفض منبثقا من فطرتك نفسها إذا قيل لك - مثلا - إن هذا الشكل الهندسي الذي تراه أمامك الآن مربع وليس مربعا في آن واحد، أو أن يقال لك إن فلانا الآن موجود في منزله وغير موجود فيه. ومن قبيل هذه المبادئ التي يزعم المثاليون والعقلانيون أنها مجبولة في الفطرة، أن يكون الشيء الواحد ذا هوية واحدة مهما تعددت ظواهره، وهكذا. وعلى أساس طائفة من هذه المبادئ الأولية الفطرية يمكن للإنسان «العاقل» أن يقيم بناء «المنطق» بشتى صوره المجردة وسبله في استدلال صورة فكرية من صورة فكرية أخرى. فإذا قيل مثلا إنه إذا كان الأمر المعين إما «س» وإما «ص»، ثم ثبت أنه ليس «س»، تحتم منطقيا أن يكون «ص»، فأمثال هذه الروابط الصورية بين فكرة وفكرة يقال عنها - بمصطلح الفلاسفة - إنها روابط «ضرورية». وهم يعنون بهذه الضرورة أنها ليست من اختيار الإنسان، ولا هي حصيلة التجربة، بحيث يكسبها بتجربته هذا الفرد من الناس، ولا يكسبها ذلك الفرد؛ إذ الأمر مرهون هنا بالفطرة الأولية، والعلاقة هنا بين فكرة وفكرة علاقة «ضرورية» الصدق. انظر إلى نفسك وقد قيل لك: إنه إذا كانت «أ» تساوي «ب». أو قيل لك إنه إذا كان «الحسن» شقيق «الحسين»، كان «الحسين» شقيق «الحسن». فماذا أنت قائل عندئذ إلا أن تقرر في دهشة المتعجب، بأن ذلك أمر ظاهر الصدق بالبديهة. ولو كنت عندئذ من المشتغلين بالفلسفة لقلت: نعم؛ لأن بين المقدمة ونتيجتها في أمثال هذه الحالات علاقة «الضرورة»؛ بمعنى أنه يستحيل «عقلا» أن تصدق المقدمة ولا تصدق النتيجة معها. ومثل هذا هو ما يعنيه فيلسوف أمريكي معاصر، هو براند بلانشارد في كتابه «العقل والتحليل»، حين يحصر معنى «العقل» في أنه هو إدراكنا للروابط الضرورية بين فكرة وفكرة تلزم عنها.
وليس بعسير على القارئ أن يرى كم يضيق هؤلاء الناس حدود العقل، حتى لا يكاد ينصرف إلا إلى التفكير الرياضي وحده؛ لأن الرياضة هي التي تولد الأفكار بعضها من بعض على هذا النحو. أما إذا اهتدى الإنسان في حياته بما يقع له في خبراته، فليس ذلك عندهم «عقلا». افرض - مثلا - أنك أبصرت بآثار أقدام على رمال الطريق، فقلت: لا بد أن يكون إنسان قد مر بقدميه على هذه الأرض، بدليل هذه الآثار على الرمال. اعترضك «العقلانيون» - بالمعنى الضيق الذي أسلفناه - بأن استدلالك لا يرتكز على «عقل» وإن يكن مرتكزا على خبرة لك سابقة، لماذا؟ لأن العلاقة بين الأثر فوق الرمال وقدم الإنسان الذي تزعم أنه قد مر على الطريق، ليست هي بالعلاقة الضرورية ضرورة عقلية؛ إذ ماذا يمنع أن يكون ذلك الأثر أثرا لقالب على هيئة القدم الإنسانية، ضغط به ضاغط على الرمال؟ فالعلاقة - إذن - بين الآثار والأقدام هي مما نرجحه مهتدين بخبراتنا السابقة، لكن تلك الخبرات وإن تكررت لنا ألف ألف مرة في حياتنا، فأمدتنا بما يشبه اليقين في استدلالنا السابق، فما يزال الاحتمال النظري قائما، وهو ألا تكون الرابطة المزعومة قائمة بين الآثار على الرمال والأقدام، في هذه الحالة المعينة.
إن مثل هذا الربط بين الأشياء، يجاوز الإنسان ليشمل معه صنوف الحيوان؛ فقد يرى الكبش صورة الرجل الذي يجيئه كل يوم بالغذاء، فيربط الكبش بين صورة الرجل والغذاء، حتى إذا ما لمح الرجل قادما «أيقن» أن الطعام قريب، دون أن يرى بعينيه طعاما، فهل نقول إن العلاقة بين الرجل وطعام الكبش علاقة «ضرورية» بحيث يكفي ظهور الأول «ليتحتم» ظهور الثاني؟ كلا؛ إذ قد يأتي اليوم الذي يجيء فيه هذا الرجل وفي يده السكين الذي ينوي أن يذبح بها كبشه ذاك. وعلى هذا الأساس نفسه كان تحليل الفيلسوف الإنجليزي «هيوم» - وتحليل الإمام الغزالي من قبل هيوم بنحو سبعة قرون - للعلاقة بين السبب والمسبب؛ فهذان الرجلان متفقان - على بعد ما بينهما من زمن - بأن العلاقة السببية ليست «ضرورية» بالمعنى الذي أسلفناه لهذه الكلمة؛ فقد يتكرر التلازم بين ظاهرتين ألوف المرات، حتى لنظن أن العلاقة السببية قد أحكمت بينهما، بحيث يكفينا قيام إحدى الظاهرتين لنوقن بأن الظاهرة الأخرى لا بد آتية، ومع ذلك فليس مما يتعارض مع منطق «العقل» أن تقع إحدى الظاهرتين دون ملازمتها، برغم تكرار التلازم بينهما تلك المرات التي عددناها بالألوف.
Halaman tidak diketahui