Makna Kehidupan: Pengenalan Yang Sangat Ringkas
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
Genre-genre
باختصار، يبدو ذلك مستبعدا إلى حد كبير. غير أن حقيقة أن لا شيء في أدب بيكيت محدد ونهائي، وأن كل دال منقوص ينقلنا إلى ما يليه، لا يمكن اعتبارها رمزا لرغبة فحسب، بل رمزا لمعنى. فالمعنى أيضا عملية منقوصة بشكل لا نهائي؛ انتقال من دلالة إلى أخرى دون خوف من الوصول لنهاية أو أمل في ذلك. يمكننا أن نكون واثقين من شيء واحد على الأقل بشأن أي معنى، وهو أن هناك دائما المزيد من المعاني حيثما ينبثق ذلك المعنى. فلم يكن من الممكن منطقيا أن يكون هناك معنى نهائي يضع نهاية لعملية التفسير والتأويل، نظرا لأن ذلك المعنى سيحتاج إلى تفسير. ولما لم يكن للدلالات معنى إلا في إطار الدلالات الأخرى، فلم يكن من الممكن أن يكون هناك دلالة كبرى واحدة نهائية مثلما لم يكن من الممكن أن يكون هناك عدد واحد أو شخص واحد في العالم.
في عالم بيكيت، تعني حقيقة أن هناك دوما مزيدا من المعاني من حيث يأتي المعنى مزيدا من المعاناة بشكل عام. غير أن تقهقر فكرة المعنى المطلق توفر نوعا من التمكين أيضا، إذ إنها تخلق المساحة التي يمكننا البقاء فيها من لحظة للحظة. صحيح أن البقاء والازدهار يتطلبان ضمانات أكثر من تلك المتاحة في عالم بيكيت المستنزف؛ إلا أن الضمانات الأقوى من اللازم تميل لإعاقة ازدهارنا أيضا. وقد كانت كلمة «ربما» - من بين أشياء أخرى - هي استجابة بيكيت للسيطرة الفاشية التي حارب ضدها بمنتهى الشجاعة، بوصفه أحد أفراد المقاومة الفرنسية. فإذا كان صحيحا أننا بحاجة لدرجة من اليقين للمضي في طريقنا، يصبح صحيحا أيضا أن القدر المبالغ فيه من اليقين يمكن أن يكون مهلكا. في الوقت نفسه، هناك شيء يبدو أنه لا يمكن القضاء عليه يستمر في الحدوث ولكنه يتميز بكل ما تتمتع به عملية الهضم من رتابة وافتقار إلى المرونة وعدم تمييز.
ويعد تبخر فكرة المعنى الثابت أحد الأسباب وراء صعوبة وصف أعمال بيكيت بالتراجيدية، إذ تبدو غير محددة بشكل يتعذر معه وصفها بهذا الوصف. ثمة سبب آخر يتمثل في تفاهتها البالغة، وأسلوبها الأيرلندي الساخر الذي يميل لفضح الزيف وبث الإحباط. إنه نوع من الأدب المضاد، الذي يقوض لغة الإنجاز المسكرة. إنها كتابات تحتفظ بميثاق اتفاق سري مع الفشل؛ مع تلك المسألة المرهقة والمضجرة الخاصة بالبقاء بلا هدف. إن شخصيات بيكيت الإنسانية المفرغة من الداخل والفاقدة للذاكرة لا ترقى حتى لمنزلة الأبطال التراجيديين، والتي كانت لتصبح على الأقل دلالة ثابتة من نوع أو آخر. إنها حتى ليست على قدر كاف من التنظيم لكي تعدم نفسها. فنحن في حضرة مسرحية هزلية متدنية أو كرنفالية سوداء وليست دراما مرتفعة المستوى. وكما هو الحال مع الحرب العالمية الثانية، فإن الغلو هو السمة السائدة. فيبدو أننا لا نستطيع حتى أن ننسب معاناتنا لأنفسنا، إذ إن الفاعل الإنساني قد انهار داخليا مع التاريخ الذي ينتمي إليه. ولكي ننسب ذكرى أو تجربة لهذا الفاعل الإنساني دون غيره، فإن ذلك يتطلب درجة من الثقة والتأكيد لم يعد من السهل الحصول عليها.
والقليل جدا من كتابات بيكيت هو ما يتسم بالثبات أو التناغم الذاتي؛ وحينئذ يكمن اللغز في كيف يمكن للأمور أن تكون متقلبة ومؤلمة بشكل مستمر في الوقت ذاته إلى هذا الحد. غير أن المفارقة في أعماله هي احتفاظها بحنينها إلى الحقيقة والمعنى، على الرغم من وجود موضع عميق في منتصفها لا يشغله سوى المعنى. والوجه الآخر للمراوغة والغموض هو إخلاص بيكيت الرهباني للدقة، وللحركة المدرسية العقلية الأيرلندية. وما يبدو غريبا بشأن كتاباته هو أسلوبها المتفلسف الذي لا يحوي سوى قشور وبقايا من المعنى، ونقشها الدقيق للخواء المحض، ومحاولتها الثاقبة إلى حد الجنون لاستيعاب ما هو عصي على الوصف. ففنه يأخذ مجموعة من المسلمات، وبأسلوب شبه بنيوي يدعها تمر بتعديلاتها الميكانيكية المتنوعة، إلى أن تستنفد العملية بالكامل ويتولى الأمر مجموعة أخرى من التعديلات على نفس القدر من انعدام المعنى. وهناك أعمال درامية كاملة تصنع من إعادة ترتيب نفس البقايا والقصاصات القليلة. ربما يكون عالم بيكيت محيرا وغامضا، ولكن أسلوب معالجته له أسلوب توضيحي محايد. فتتقلص لغته إلى حد التقشف عند النقاط غير الجوهرية، إذ تتضاءل وتتقطع إلى أبعد حد، وتظهر عداء بروتستانتيا لكل ما هو زخرفي وغير ضروري. وربما يكون الزهد في الكلمات هو أقرب ما يمكن للحقيقة. فالقارئ يوجه إلى الفكرة بشكل أكثر رداءة، ولكن بمزيد من الصدق. وما يلفت انتباهنا هو التدقيق البالغ الذي ينسج به الهراء واللغو في أعماله، والمنطق الصارم الذي تتعامل به في التلميحات والسخافات. ربما تكون مواد بيكيت خاما وعشوائية، ولكن معالجته لها تتبع أسلوبا معينا بشكل ساخر، بتأنق أشبه بخطوات الباليه واقتصاد في استخدام الإشارات والرموز. يبدو الأمر كما لو كانت المنظومة الشكلية للحقيقة، والمنطق، والعقل بأكملها تظل كما هي دون مساس، على الرغم من أن محتوياتها قد تسربت.
غير أن الجانب الآخر لأعمال بيكيت أقرب للفلسفة الوضعية لحركة ما بعد الحداثة، التي لا تعتبر الأشياء مراوغة ومحيرة بشكل لا متناه، ولكنها مراوغة بشكل فظ. وكما كتب معاصره الباريسي جان بول سارتر في كتابه «الوجود والعدم»: «إن الوجود في حد ذاته لم يخلق، وما من سبب لوجوده، وما من صلة له بأي كيان آخر، ومن ثم فهو فائض لا ضرورة له للأبد.»
1
ويعكس هذا الجانب من بيكيت الذي يعتبر العالم قائما وله وجود مهما كان الحال، جانب الفنان المنبهر بالمادية الجامدة المحضة للأشياء مثل الحصى أو القبعات، والذي يقاوم محاولة فرض دلالة استثنائية عليها. (لا رمز حيثما لا يوجد أي رموز مقصودة على حد قوله). وعلى رأس تلك الأشياء الجامدة يأتي الجسد - وإن كان لا يتمتع بمكانة مميزة - والذي لا يبدو أن هناك معنى يلتصق به. فالجسد ببساطة هو آلية تتحرك بتثاقل، نجثم بداخلها مثلما يجلس شخص داخل آلة رافعة. فالأشياء في عالم بيكيت إما متوارية بحيث تبدو غامضة إلى حد مفرط، أو محصنة ضد المعنى بشكل صريح وحاد. فالواقع إما سطح جامد لا يقدم أي دعم لإضفاء أي معنى، أو وميض غامض من المدلولات. إنه مبهم وزائل، ولكنه أيضا مكان يحوي حواف حادة وأوزانا ثقيلة، وينطوي على آلام جسدية مبرحة، وعظام متكسرة.
ومن منطلق هذا المنظور «ما بعد الحداثي» الثاني، فإن الحياة ليست ذات معنى، ولكنها أيضا ليست بلا معنى. والادعاء بأن الوجود مجرد من المعنى بهذا الشكل الكئيب العابس يعني البقاء أسيرا لوهم أنها قد تكون ذات معنى. ولكن ماذا لو لم تكن الحياة من تلك النوعية من الأشياء التي يمكن الحديث عنها في أي من هذين الإطارين؟ فإذا كان المعنى شيئا يفعله الناس، كيف لنا أن نتوقع أن يكون العالم ذا معنى أو بلا معنى في حد ذاته؟ ولماذا ينبغي إذن أن نشعر بالأسى على حقيقة أنه لا يقدم لنا نفسه كعالم يفيض بالمعنى؟ إنك لم تكن لتتحسر على حقيقة أنك لم تولد مرتديا قبعة صوفية صغيرة. فالأطفال الذين يولدون متأنقين بقبعات صوفية صغيرة ليس من نوعية الأشياء التي يفترض للإنسان توقعها. ولا جدوى من الشعور بغصة في حلقك بشأن ذلك. فالقدوم إلى الدنيا عاري الرأس ليس سببا لإبداء خوف تراجيدي؛ فهذا ليس نقصا تعيه إلى حد يجلب لك الكآبة بينما تمضي في متابعة شئون حياتك اليومية.
لا شيء مفقود هنا، مثلما لا يوجد شيء مفقود حين أقول: «لأنني وضعتها على الموقد» في معرض إجابتي عن سؤال «لماذا تغلي الغلاية؟» غير أن أحدهم قد يظن أنني لم أفسر له سبب غليان الغلاية ما لم أشرح له العمليات الكيميائية التي تقف وراء هذا، ثم القوانين التي تقف وراء ذلك، وهكذا إلى أن نصل إلى طريق مسدود حيث تنتهي جميع الأسئلة. وما لم يكن هناك أساس مطلق، سيكون هناك حتما شيء مفقود. لا بد أن يترك كل شيء معلقا في الهواء بشكل مقلقل. وهذا هو الحال بالنسبة للمعنى في منظور البعض. فلا شك أنه إذا كان المعنى هو مجرد شيء نتوصل إليه، فإنه لا يستطيع أن يعمل كبنية تحتية أكيدة للواقع. فالأشياء يجب أن تكون ذات معنى بطبيعتها، لا أن يكون لها معنى فقط لمجرد أننا جعلناها كذلك. وكل هذه المعاني لا بد أن تفضي لمعنى عام واحد. فما لم يكن هناك معنى للمعاني، فلا يوجد معنى على الإطلاق. فإذا كانت حقيقة أن الثلوج تتساقط لا تدل على أن الإله يسعى لأن يلف العالم بمعطف ناعم من النسيان، فلا بد أنها مجرد حقيقة تافهة.
ما هو المعنى «المتأصل» على أي حال؟ إن المعاني لا «تكمن» في الأشياء مثلما يتواجد الحبر في الزجاجة. فقد يكون هناك مقصد ذو دلالة في مكان ما من العالم لا نعرفه (مثل ندفة ثلج غير مرئية، أو نمط اجتماعي لم يكتشف بعد)؛ ولكن المعاني بالدلالات الأكثر شيوعا للكلمة ليست كذلك بالطبع. إنها تفسيرات للعالم، ومن ثم فهي تعتمد علينا. إن الحديث عن المعاني «المتأصلة» يتلخص في الحديث عن محاولة وصف ما هو قائم بالفعل في الواقع. ولكن نحن من نقوم بعملية الوصف. بعد ذلك يمكننا أن نقارن هذا بالمعاني «المنسوبة» مثل «الأرض الخضراء». هناك أيضا معان ذاتية بالتأكيد، مثل «بالنسبة لي، يمثل لي خط أفق شيكاغو صورة الإله»، أو «حينما أسمع كلمة «حوض» يتوارد إلى ذهني دائما أبراهام لنكولن.»
Halaman tidak diketahui