ولا عليل أبدا من شفاء
العدل سلطان شديد القوى
ينصره الله بجند القضاء
هذه هي أبياتي التي استهللت بها كتابي الذي كنت سميته «مائة برهان وبرهان على ظلم عبد الحميد السلطان». أذكرها هنا لا استدلالا بها على بلاغة معنى أو فصاحة لفظ، فليس بها شيء من صناعة الكلام سوى الوزن والروي، وإنما أريد أن أستعيد ذكر أيام خلت كان فيها هذا اليراع شاكيا ولم يكن مثل يومه حاكيا.
في اليوم الثاني والعشرين من شهر ديسمبر سنة 1897 دخلت إدارة المقطم وولجت مكتب الأستاذ الدكتور فارس نمر، فنظر في وجهي مليا يريد أن يتعرفني جيدا، فقال: هل من حاجة فأقضيها؟ وكان يحسبني أتيت المقطم لعمل من أعمال الإدارة، فدفعت إليه مقالة عنوانها «نرجع إلى الجواسيس»، فلما وقع نظره إلى الإمضاء مد نحوي يمينه مصافحا وقال: أهنئك بتطوعك لخدمة الوطن، وأهنئ الوطن بقلمك. وأسس الله المودة في قلبينا منذ ذلك العهد.
ولقد قلت في آخر تلك المقالة ما أنقله إلى هذا الفصل بحرفه ؛ وهو :
هذا قلم أرن القوس صائب الرمية، عرفه من هنالك. فلأجرينه حتى لا تبقى من دار الظلم لبنة على لبنة وبياض على سواد، ولأسيرن قوارعه شزبا في كل قاتم الأعماق شاسع الأطراف، إلى أن يقول نصير الحمية لبيك، ونستريح وإخواننا مما نحن فيه.
على أنني لم أنل شرف الاستمرار على خدمتي، وكان خلاص الوطن على يد قوم رآهم الله أجدر مني بهذا الفخار.
أجل قد طهر الله حزب الأحرار من مراد الداغستاني، ولو بقي فيه لما سطرت في مناصرة الأحرار حرفا واحدا؛ فقد كان عبد الحميد ظالما، وكان مراد محتالا، وكان عبد الحميد يحب الواشين، وكان مراد يود ألا يكون له واش غيره، فلم ترض نفسي أن أجتمع معه ولا على خدمة الوطن وخلاصه. هذا عناد يؤاخذني عليه كل ذي إنصاف، ولكنني لا أستطيع له إنكارا، ولتبقى لي هذه الجناية مسطورة في سجل آثامي بهذا القلم الذي أصبح غازيا في حرب الاستبداد.
ولقد قضت عثمانيتي أن أقف إلى جانب المجاهدين من أبناء وطني حين خفتت أصوات كثيرة، وخيل لي عجب الشباب أني أستطيع أن أنفع بلادي، فشاركت يومئذ الأستاذ الفاضل محمد أفندي قدري العثماني في كتابة بعض الفصول بجريدة القانون الأساسي، فساء ذلك رجال الاستبداد، ورفعت القوميسرية العثمانية تقاريرها إلى عبد الحميد حتى خيل له أن ولي الدين إذا استمر على الكتابة قامت القيامة، فقصد سكرتير القوميسرية محسن بك منزل العم إبراهيم باشا يكن وطلب إليه أن يكون وسيطا له في إسكاتي، فكان جوابي له جواب من لا يتزحزح عن موقفه، وواصلت الاجتهاد بعزم أشد التهابا وأمضى نفوذا.
Halaman tidak diketahui