Abu al-Ala al-Ma'arri Zawbat al-Duhur
أبو العلاء المعري زوبعة الدهور
Genre-genre
ويختم رسالته بقوله:
فلهيت عما استأثر به الزمان، والله يجعلهم أحلاس الأوطان، لا أحلاس الخيل والركاب، ويسبغ عليهم النعمة سبوغ القمراء الطلقة على الظبي الغرير، ويحسن جزاء البغداديين فقد وصفوني بما لا أستحقه، وشهدوا لي بالفضيلة على غير علم، وعرضوا علي أموالهم عرض الجد، فصادفوني غير جذل بالصنيعات، ولا هش إلى معروف الأقوام، ورحلت وهم لرحيلي كارهون، وحسبي الله وعليه يتوكل المتوكلون.
كلنا نعلم أن أبا العلاء رفض الهبات والعطايا في هذا الطور؛ أي بعد استجابته للدعوة الفاطمية، وخصوصا، عندما نسك وزهد ليكون مثلا أعلى لجماعته كما سترى.
فلا يصح أن نسمي أبا العلاء درزيا لأن هذا الاسم لم يكن في زمنه، ولا أن نسمي أصحابنا الدروز دروزا لأن هذا الاسم لصق بهم بعد حين، وهو في الحقيقة اسم لا يرضيهم، وقد يرضى الإنسان بما يكره إذا غلب واشتهر به.
إن سيرة المعري هي الدستور الأسمى لطبقة «الأجاويد» العليا المعروفة عند الدروز ب «المتنزهة». وهؤلاء المتنزهة بل من هم دونهم في طبقة «الجودة» لا يقبلون مالا من أحد مشكوكا في أنه غير حلال؛ ولهذا قال أبو العلاء لإخوانه (الجماعة) في المعرة: «عرضوا علي أموالهم عرض الجد، فصادفوني غير جذل بالصنيعات.»
إن هذه الخصلة مقتبسة من إمام الدعوة وسيدها الأسمى الحاكم بأمر الله؛ فقد كان راغبا عن العطايا والهبات، وقد رد مال متوفى أوصى له به، وكان يهب بلا حساب. أما كتب إلى أمين الأمناء حين توقف عن الدفع: «ما عندكم ينفد وما عند الله باق، والمال مال الله عز وجل، والخلق عيال الله، ونحن أمناؤه في الأرض، أطلق أرزاق الناس ولا تقطعها والسلام»؟
ومن يقرأ لزوميات المعري يرى أنه كان يصور للناس شخصية الحاكم وخصاله من حيث لا يدرون. أذكر لك واحدة الآن. إن كره الحاكم للمال حمله على إلغاء المكوس، وقد أيده شاعر دعوته في المعرة؛ إذ رأى من الحكام غير ذلك فقال:
وأرى ملوكا لا تصون رعية
فعلام تؤخذ جزية ومكوس؟
كلنا نعلم أن أبا العلاء غاضب على الحكام، ويراهم أجراء الأمة الذين عدوا مصالحها. ويتحدث عن ظلمهم وينتقدهم انتقادا مؤلما، ويعترض على إجراءاتهم. والتاريخ ينبئنا أن الحاكم بأمر الله كان جبارا، وقد أهدر دم الكثيرين، وقتل كبار رجال دولته، فلماذا يرضى عنه أبو العلاء الذي لم يرض عن أحد؟ فهو يحدثنا عنه مرة في لزومياته بكل أناة ورفق، بل يتحدث عنه كما نتحدث نحن عن الأنبياء والرسل، فيقول كلاما لا لبس فيه ولا إبهام، ولا مجاز ولا رموز، كلاما جليا واضحا لا يحتمل أقل تأويل، فيمتدح الحاكم ويذم ابنه الظاهر بأمر الله الذي تبرأ من رسالة أبيه، واضطهد المستجيبين للدعوة اضطهادا فظيعا حتى علق رءوسهم على صدور نسائهم، فقال أبو العلاء مدافعا عن «مولاه»:
Halaman tidak diketahui