والرياح التي لا تكف عن العويل منذ ثلاثة أيام تحدث ضجة لا تطاق في النوافذ ومصاريعها. إنني في منتهى التعب، وأذكر نزهات الأيام الخالية. تلك التي كنا نقوم بها في الجيزة عندما سكنا في «رامتان»،
47
ولم تكن هذه النزهات كثيرة العدد، ويتراءى لي ثانية الدرب المعفر على طول القنال، والغابة البرية الحافلة بزهر النسرين الأبيض، والممر الرملي الطويل بالقرب من الأهرام، تحت أشجار الكازورينا. والممرات الأخرى؛ كممر السدود والطريق بين الحقول بعد البساتين. كنا نتحدث، وكنت أحاول أن أمنع عنك الغبار، وأتذكر الجبل أيضا، وها هي إحدى الذكريات العذبة ترد إلى خاطري: فرجة الغابة في «كول إيزاركو
Colle-Isarco » في الغابة فيما فوق «الفليرز
Flers ». كان ذلك بعد العملية التي أجريتها، وقد شدهت لكونك استطعت التسلق حتى هذا المكان عبر ممر على جانب من الوعورة. كنا جالسين على مقعد حجري، وحيدين تماما، وقضمت قطعة من الشوكولا وقطعتين من البسكويت. كان النسيم رقيقا، وأريج الغابة يفوح وسط السكون الجليل لعصر صيفي. كنت تحلم بالأيام السالفة، بنزهاتنا في الغابات المحيطة بباريس، فقد قلت لي: «هل تذكرين «شافي
Chaville »؟» ويخيل إلي أنك كنت سعيدا حقا تلك اللحظة، ولم أنس ذلك قط.
وبعد العشاء وضعت عدة أسطوانات موسيقية كما أفعل أغلب الأحوال في المساء، لحنا هادئا لموزارت وسمفونية المزامير لسترافنسكي. لقد أحببت هذه الموسيقى العظيمة، والرصينة. وليس بوسعي أن أستمع إلى الموسيقى التي كنت تحبها ببرود أعصاب، فها هنا أعثر عليك من جديد بشكل أفضل، وأصغي للموسيقى معك.
3 يونيو
بالأمس كان العنصرة، ومرة أخرى ترد إلى خاطري بصفاء بالغ ذكرى العنصرة في «جاردونيه
Gardonne » كنت قد استمعت إلى القداس في الكنيسة من الأعلى، وكان القس العجوز قد قرأ إنجيل يوحنا. كان الصباح رائعا، وكان كل شيء نديا وجميلا: السماء، والبحيرة، والأشجار، والأزهار. كل شيء يبهر البصر، وكنت أنحدر نحو الفندق وأنا أتلو بيني وبين نفسي: «سلاما أترك لكم، سلامي أعطيكم.» (إنجيل يوحنا، 24: 27)، ثم كررت على مسامعك هذه الكلمات بانفعال.
Halaman tidak diketahui