131

وفي التاسع والعشرين من أبريل في السنة التالية، احتفلنا بميلاد «حسن»، أول حفيد لنا، وكنا نحتفل عشية ذلك اليوم أيضا بعيد ميلاد الملك. وكان على طه، بصفته عضوا في المجمع،

221

أن يكون في مسجد الرفاعي مع بقية الهيئات الأخرى فضلا عن أنه تلقى جائزة فؤاد في الأدب. ولما كان مكلفا بإلقاء خطاب فإنه ألقاه بسرعة وبفراغ صبر مهموم؛ ذلك أن الطفل كان قد ولد. أما بالنسبة إلي، فقد عشت ساعة غريبة لا تمحي ذكراها من خاطري ولا تغشاها الظلال. كنت وحيدة في الغرفة بالقرب من ابنتي التي كانت لا تزال تحت تأثير المنوم، وبالقرب منها وليدها صامتا مثلها. وكان أفراد الأسرة يحدثون ضوضاء على بعد منا في المستشفى وهم يتبادلون التهاني، وكانوا سعداء. كنت أعرف في تلك اللحظة أن أختي قد توفيت، وأخذت أفكاري تتنقل بين تلك الحياة التي كانت تبدأ وتلك الحياة التي كانت تنتهي. وبقيت على هذا النحو ساعة من الزمن مستغرقة في تأمل موضوع لا أظنني مذنبة فيه.

فعندما وصلنا باريس، كانت «أندريه» لا تزال تأمل. كانت مضطرمة النشاط تضفي على كل ما تقوم به فيضا من الحيوية! وكانت تردد: «أعبد الحياة.» وكان ذلك يحطم قلبي. وفي العاشر من شهر أغسطس، لم تكن قد تخلصت بعد من آثار المورفين على وعيها عندما مدت إلي مع ذلك يدها بباقة من الورود الحمراء، وهمست لي: «عيد سعيد!» ولا تزال وريقات هذه الزهور المسودة والمسحوقة معي حتى الآن.

ماتت في الليل.

222

كنا نسرع في البحث عن تاكسي عندما اتصل بنا بيير هاتفيا، وكانت هناك راهبة قد ألبستها ومشطت شعرها. وعدنا إلى الفندق في الصباح الباكر، وعندما وصل مؤنس، وكان قادما من معهد المعلمين العالي، ورأى وجوهنا ... لا أرى حاجة لوصف مشاعرنا في تلك اللحظة. ضغطني على صدره بدون أي كلمة من جانبه أيضا، وكان هو الذي ذهب لإخطار أمنا.

كان قد قبل لتحضير شهادة الأستاذية، وكانت أندريه تعرف ذلك. ولما كانت بلا أطفال فقد كانت فخورة به جدا.

منذ ستة وعشرين عاما وأنا أتألم كلما فكرت فيها، ومع ذلك فإن الرجفة لا تزال تعتري كياني كله عندما تنفجر الأنشودة الطاهرة «هليلويا» في جناح كنيسة نوتردام دي فيكتوار حيث تمت المراسم الدينية: «إلهي، امنحني أن أحب حتى يومي الأخير، ولا تدع قلبي يا إلهي أبدا. أتوسل إليك لا تدعه أبدا قلبا جافا أو قلبا أصم!»

عندما عدنا لمصر كان هناك حشد حقيقي بانتظارنا في الميناء، وكان طه الذي كان لا يزال مغضوبا عليه من قبل السلطة، ممسوكا من قبل صهره من جهة ومن قبل الأصدقاء والصحافيين من جهة أخرى، يواكبهم طلبة ومجهولون حتى وصوله إلى السيارة.

Halaman tidak diketahui