115

ولقد كان هنالك بعض الهلع. كان بعض المصريين الذين استبد بهم الخوف قد انسحبوا إلى ممتلكاتهم البعيدة، أما «الفرنسيون الأحرار» فقد أخلوا إلى لبنان والكاب، غير أن بعضهم قد نسي، في حين أصاب الذعر اليهود؛ فساعد طه بعضا منهم على الرحيل ومنهم «تيجيرمان

Tigerman ».

196

أما طه فقد انصرف برغم مدافع العدو القريبة إلى تأسيس جامعة الإسكندرية. ولقد ظلت الإسكندرية فخورة ومعترفة بهذا الجميل الذي تذكره له في كل مناسبة؛ ففي أثناء الاحتفال بذكراه في العام الماضي بقصر الثقافة، تم التعبير عن ذلك بكلمات سعيدة واعية. وعندما قال المحافظ - وكانت خطبته هي كلمة الختام: «كانت له على الإسكندرية أياد بيضاء.» كنت أشعر بتأثر الجميع.

غداة هذا الاحتفال، عدنا من الإسكندرية ليلا عبر طريق الصحراء. وشعرت لدهشتي بحزن لا يطاق ، حزن كان يعقب العديد من الشهادات الرائعة التي قيلت بحقه. وكنت أزن ما ضيعته وأحاول أن أخفي وجها غمرته الدموع في حين كنت في طريقي عائدة إلى بيت ابنتي.

كان يؤسس جامعة الإسكندرية، لكني لم أكن أستطيع أن أتجاهل أن إذاعة ألمانيا كانت تذكر اسم طه حسين غالبا وأن التهديدات كانت حقيقية. وكان كامل وماري القلقان علي يتصرفان نحوي كما لو كانا أخوي، حتى إن ماري كانت تصر علي بإلحاح أن آتي للإقامة في بيتها.

تلك السنة، كانت سنة العيد الفضي لزواجنا، لكن طه لم ينتبه إلى ذلك إلا لماما!

كنا في بيت مري عند تحرير باريس. ولقد تحدثت عن تلك الأيام المؤثرة في أثناء حديثي عن لبنان.

وبعد ثلاثة أشهر سقطت وزارة النحاس، ولم يعد طه مراقب ثقافة ولا رئيس جامعة الإسكندرية. وكان بوسعي - بمعنى ما - أن أستمتع بذلك؛ فقد كانت مهمته في الوزارة ثقيلة أصلا. ولكن عندما أفكر أنه كان يذهب إلى الإسكندرية يومين في الأسبوع يقوم خلالهما بعمل ستة أيام وبالمكافأة الضئيلة التي كانت تدفع له والتي لم تكن تسمح له بالذهاب إلى الفندق لقضاء الليل؛ الأمر الذي يضطره للنوم في الإدارة المؤقتة للجامعة، في غرفة صغيرة وضع فيها سريران حديديان من أسرة المستشفى، وأنه كان يأكل كيفما اتفق ... عندما أفكر بكل ذلك، أعايش الأمر من جديد، وتزداد قناعتي بأن الإيمان يصنع المعجزات.

وفي إحدى عوداته إلى الزمالك، وكان يصل منهكا من التعب، استوقفته رنات غريبة عند الدرج. كنت أعرف أنه يرغب في ساعة ذات بندول، ولقد سعدت إذ عثرت على واحدة منها كانت جميلة وغير مزعجة. لقد بقي هذا البندول منذ ذلك الحين قرب سريره ولا يزال حتى الآن، ولا أريد له أن يتوقف؛ فقد كان يطلب إلي عند وصولنا إلى البيت عائدين من رحلة ما أن أجعله يعمل على الفور. وكنت أفعل ذلك باستمرار وما زلت.

Halaman tidak diketahui