73

وأسرع بدر الدين ليستعد للمثول بين يدي سيده وخفق قلبه سرورا لعطف مولاه الذي تذكره وبعث رسوله إليه.

ولما ذهب إلى القصر، لقي فيه ترحابا جديرا بقدره، واستقبله الملك السعيد باسما وبالغ في إكرامه، حتى إنه أذن له أن يذهب إلى قصر السيدة الوالدة ليعزيها بنفسه.

وذهب بدر الدين إلى قصر السيدة الوالدة وهو يكاد يسبح في الهواء من السعادة، حتى إذا بلغ موضع الستارة من القصر جاءت إليه السيدة العظيمة نفسها فرحبت به من وراء الستارة وشكرته على ما كان من ولائه وحسن بلائه. وأرسلت إليه كأسا ذهبية على صينية رائعة الحسن لم تقع عين على مثلها، وكان في الكأس شراب مثلج يفوح منه عطر ذكي، وقالت السيدة من وراء الستار: هذا شراب صنعته بيدي أيها الأمير العظيم، أقدمه لك إيفاء بحقك وآية مني على شكرك.

فدعا الأمير لها وقبل الأرض تحية لها، ثم شرب الكأس.

الكأس التي تعودت القصور أن تقدمها للذين يؤدون الخدمات الجليلة للسلاطين حتى لا يبقى على الأرض أحد يحس أن له فضلا على سيد البلاد.

وفي اليوم التالي ارتجت القاهرة لجنازة الأمير بدر الدين بيليك بطل الحرب وصاحب الفضل في المحافظة على ملك بيبرس. وكان يسير في طليعتها نائب من قبل السلطان الملك السعيد ونائب آخر من قبل السيدة الوالدة! إذ أرادا أن يظهرا جزعهما على موت خادمهما المخلص الذي حفظ لهما العرش!

آخر السلاطين

«مضت دولة وكان غروب شمسها تحيط به ألوان الشفق الزاهية. كانت دولة جديرة بالفناء، ولكنها كانت مثلا رائعا من عصر منقرض.»

كانت رءوس النخيل الباسقة تميل في كبرياء، وتختلج بسعفها في عنف، كأنها عمالقة تجاهد في معركة أمام رياح الخماسين الخانقة.

وتناثرت سحب الرمال تغطي صفحة السماء وتحجب قرص الشمس الغاربة، فلا يظهر منه إلا مثل جمرة متقدة، وتبدت ألوان الشفق الزاهية مترددة خافتة، تتمسك بأذيال السحب الداكنة.

Halaman tidak diketahui