فقال القائد في حقد: مينا بن حنا! اللعين مينا!
فصاح قيرس: مينا!
ثم غص بريقه فلم يستطع أن يواصل صيحته.
واستمر جورج في لعنه وصخبه ...
وصاح قيرس من بين أسنانه هو الآخر: اللعنة! اللعنة! هاتوا أمه وأخته! العذاب لهما!
ثم مضى وهو يلهث مما في صدره من الضيق.
آكل المرار وهند
«العاطفة الثائرة لا تعرف الاعتدال في حبها كما لا تعرفه في قسوتها.»
لم يكن حجر بن عمرو بالرجل الذي يعرف التردد. كان وجهه ينم عن أنه كان بين الرجال مثل نمر الغابة، قاسيا صلبا، يعرف الغرض الذي يرمي إليه ثم يسير نحوه في سرعة وخفة واحتراس، حتى إذا أتت اللحظة الحاسمة وثب على فريسته فصرعها ثم أخذ يقضم لحم أكتافها في شره. وكان الناظر إليه يحسب أنه يتحفز دائما للوثوب، فقد كانت شفتاه تنفرجان عن ثناياه مثل وحش يكشر عن أنيابه، وكانت عبسته الجاهمة لا تفارق جبينه، وتخط فيما بين حاجبيه أخدودا عميقا مظلما.
وكان الشتاء قد أوشك أن يمضي، وتنفست في الغدوات نسمات الربيع، واستقر عزم حجر على أن يسير إلى الغزو مع أتباعه من شيوخ القبائل الذين اجتمعوا له من نجد وأطراف اليمامة. كان كل شيخ يظل تحت علمه قبيلته وحلفاؤها، ثم يسيرون جميعا وراء حجر بن عمرو حيث سار، واثقين من أنهم سيفوزون معه بالنصر دائما. ولم يكن هؤلاء الشيوخ سوى صور مكررة من حجر، وإن كانوا قد أذعنوا له واتخذوه زعيما. كانوا جميعا من المغامرين الذين لا يعرفون التردد ولا يخشون الموت. وكانت عادة حجر إذا عزم على غزوة بيت أمرها مع أصحابه، فأعدوا لها الرواحل والخيول في حذر وكتمان، حتى إذا تم لهم ما أرادوا لم يطيقوا صبرا عن السير. فكان حجر يسارع إلى الرحيل بهم في أول الليل أو في وسطه، والظلام ضارب أطنابه في أطراف الفلاة، حتى يأخذوا عدوهم على غرة قبل أن تبلغه الأنباء عن الخطر الزاحف إليه.
Halaman tidak diketahui