14

فقال «توت»: لا شيء إلا أن تكون صريحا معي هنا. لقد كنت أنا صريحا مع نفسي ومعك عندما رضيت بتغيير اسمي وتركت اسم «آتون»، فقد قلت لك عند ذلك إنني أذعن من أجل التاج. فأرجوك إذا خلوت معي ألا تطلب مني أن ألغي عقلي وأعبد تمثالا لكبش صنعته أيدي النحاتين.

فلم يقو الكاهن على تمالك نفسه وصاح غاضبا: حسبك يا ابن الشعب! •••

فوثب «توت» على قدميه صائحا: بل أنا الملك المقدس. أنا زوج الأميرة عنخ سنب.

فأجاب الكاهن بصوت أجش: إنك لا تمت إلى الملوك بنسب، فما أنت إلا زوج ابنة قد تموت غدا.

فرفع الملك رأسه ووقف منتفضا، ثم أخذ صولجانه من فوق المذبح وأراد أن يتكلم، ولكنه غص بريقه من الغيظ فلم ينطق. ونظر الكاهن الشيخ إليه فاتحا عينيه الواسعتين في ثبات وسيطرة. وبقي «توت» لحظة ينظر إلى عيني الكاهن لا يستطيع منهما فكاكا، ثم تخاذل واضطرب وتهالك على مقعده وتقدم نحوه الشيخ حتى صار لا يفصل بينهما إلا قيد شبر، فطرفت عينا الشاب وأن أنة تشبه صيحة مكتومة، فقال له الكاهن في صوت هادئ: المجد لآمون.

ثم وضع يده على كتفه وهو لا يزال يحدق في عينيه، واستمر قائلا: سألقي عليك قصة قصيرة قد تكون سمعتها من قبل في دروسك. نحن نحتفل اليوم بعيد «أوبت» تذكارا لليوم الذي اختار فيه الإله «آمون» جد زوجتك الملكية تحوتمس الكبير. كان تحوتمس كما تعلم كاهنا لا أمل له في الحكم؛ لأنه لم يكن سوى ابن جارية لا تجري في عروقها دماء الملوك. وكانت أخته «حتاسو» هي الأميرة الملكية الشرعية. ولكن آمون رضي عن تحوتمس واختاره في مثل هذا اليوم للملك؛ لأن تمثاله الذهبي وقف أمامه في أول دورة من دورات الاحتفال، ومن ذلك اليوم صار تحوتمس الكاهن ملكا لمصر وسيدا للقطرين.

هذا هو فرعون الذي لم تعرف البلاد سيدا مثله ببركة آمون. أما سمعت بهذه القصة من قبل؟

فحدق «توت» في عيني الكاهن لحظة، ثم ألقى برأسه في عنف على يديه واهتز جسمه في نشيج صامت. فوضع الكاهن يده على رأسه ومر عليه في عطف وقال بصوت رقيق: شملتك رحمة آمون يا ولدي. عندما تخرج من هنا سيدور تمثال الإله دورته في الساحة الكبرى، وستكون جالسا على العرش المقدس، وسأقول كلمتي على مسمع من رجال الدولة والأمراء والكهنة، وسينصت الجمع كله ليسمع ما تجيب به، فإذا أجبت وقف تمثال آمون أمامك كما وقف أمام تحوتمس، وإلا ...

قال هذا ثم سار رافعا رأسه متجها نحو الباب، ففتحه ووقف ينتظر حاملا التمثال الذهبي. فقام توت فاترا من مقعده وسار وراءه مطأطئ الرأس، وكانت على وجنتيه بقعة حمراء واسعة تتقد في وسط صفحة وجهه الأصفر. وسار الكاهن عائدا إلى الساحة والملك يسير من ورائه، وخر الجمع المحتشد سجودا، حتى بلغا موضع العرش وجلس الملك عليه. ثم قام الكاهن الأعظم بين يديه فألقى في المجامر حفنات من العود والند والمر، ثم رفع يديه في هدوء وأخذ يرتل نشيدا وهو يدور بتمثال آمون الذهبي حول فناء المعبد، ثم صاح بأعلى صوته: «المجد لآمون!»

فقام «توت عنخ» عن عرشه وأجاب بصوت ضعيف: «المجد لآمون!»

Halaman tidak diketahui