Bersama Muzik: Kenangan dan Kajian
مع الموسيقى: ذكريات ودراسات
Genre-genre
وإذن، فالاعتقاد بأن «العودة» إلى الطابع الشعبي للموسيقى هي التي تكفل لموسيقانا الحالية نهضة رفيعة هو، من حيث المبدأ، محاكاة ساذجة لدعوات ظهرت في بلاد ابتعدت موسيقاها عن الأصول الشعبية ابتعاد السماء عن الأرض. وحين تظهر مثل هذه الدعوة في بلاد لا تزال «أرقى» أنواع الموسيقى المحلية فيها تحمل، بين طياتها، كثيرا جدا من مظاهر الطريقة الشعبية في التلحين والعزف والغناء، فإنها تصبح شيئا يدعو إلى السخرية، لسبب بسيط هو أن ما نريد «العودة» إليه كان ولا يزال، موجودا معنا على الدوام!
ولكن، لندع جانبا هذا النقد الذي يتعلق بمبدأ الرجوع إلى التراث الشعبي في بلد لم تتجاوز موسيقاه المرحلة الشعبية بعد، ولنحاول أن نختبر، بطريقة علمية، تلك التجارب التي تمارس في بلادنا لإحياء الفن الموسيقي الشعبي - مفترضين جدلا أن مثل هذا الإحياء أمر له جدواه.
ولو تأملنا التجارب التي تمارس في بلادنا لإحياء الفن الموسيقي الشعبي، لوجدناها ذات طابع مزدوج؛ فمنها تجارب تهدف إلى إقامة بناء موسيقي ذي طابع عالمي، على أساس من التراث الشعبي، ومنها تجارب ترمي إلى إحياء هذا التراث في ذاته، ولكل من هذين النوعين خصائص ينبغي أن نتحدث عنها على حدة.
أما محاولات اتخاذ تراث الألحان الشعبية أساسا لبناء موسيقى عالمية الطابع، فأخشى أن أقول إنها محاولات تنطوي على شيء من التناقض؛ ذلك لأن الألحان الشعبية الشرقية التي يشيد عليها البناء الموسيقي العالمي هي بطبيعتها غير قادرة على التطور والنمو والتنويع إلا بطريقة مصطنعة. إنها ألحان وضعت في ظل نظام نغمي مبني على وحدات لحنية مستقلة قائمة بذاتها؛ أعني نظاما لا يعرف بطبيعته تلك القوالب التي تسمح بتنويع اللحن وتكثيفه والإضافة المتراكمة إليه. وهناك، فضلا عن ذلك، تلك المشكلة المعروفة الخاصة بنوع السلالم الموسيقية، وقابلية «ربع الصوت»، الذي ترتكز عليه السلالم العربية، للتطوير في القوالب العالمية المعروفة. والمهم في الأمر أن اللحن الشرقي يبدو، في هذه الحالة، أشبه ببذرة غير قابلة للنمو؛ لأنها مغروسة في أرض غريبة، أو أن المحاولة بأسرها قد تبدو أشبه بمحاولات استنبات فاكهة الصيف في الشتاء. وقد لا يكون ذلك راجعا إلى قصور في اللحن الشرقي الأصلي ذاته، ولكن المهم في الأمر هو أن المرء لا يستطيع الاقتناع بذلك الجهد المتكلف الذي يبذل من أجل بناء موسيقى عالمية على أساس من الألحان الشعبية المحلية. وحتى لو رأى البعض أن الاتجاهات الموسيقية الغربية المعاصرة تسمح بمثل هذا التقارب - إذ تعطي المؤلف حرية واسعة النطاق في التصرف في السلالم الموسيقية والإيقاعات والقوالب، أو في إلغائها أصلا - فإن المحاولة (التي رأينا بالفعل نماذج لها في بلادنا في الآونة الأخيرة) لن تعود لها في هذه الحالة صلة بالموسيقى الشعبية من قريب أو بعيد. إنها تصبح في هذه الحالة منتمية إلى مجال الموسيقى العالمية في أحدث تطوراتها، ويستحيل التعرف على موسيقانا الشعبية وإدراك ملامحها والإحساس بمذاقها الخاص من خلال العمل في صورته النهائية. إنها - بالاختصار - تطوير للموسيقى العالمية في اتجاه تستخدم فيه مادة جديدة غير مألوفة ولكنها ليست على الإطلاق تطويرا للموسيقى الشعبية ذاتها في اتجاه عالمي.
وأما النوع الآخر من المحاولات، وهو النوع الذي يرمي إلى إحياء تراث الموسيقى الشعبية، فيشوبه نقص كبير هو أنه يكتفي بالجانب التسجيلي فقط، ولا يكاد مع ذلك يشعر بوجود هذا النقص فيه؛ ذلك لأن الاهتمام الأكبر ينصب فيه على ترديد نفس الألحان المنتمية إلى التراث الشعبي دون أية محاولة لتطوير اللحن أو تهذيبه أو صقل طريقة أدائه. وليس في ذلك أي مأخذ على من يقومون بهذه المحاولات ما داموا واعين بحدود عملهم، بل إن تسجيل التراث الشعبي أمر مرغوب فيه، تحرص عليه كل البلاد الناهضة في عالمنا المعاصر، وهو مظهر من أقوى مظاهر الوعي الثقافي لدى أية أمة تسعى إلى تحقيق التقدم في المجال الفني. ولكن المشكلة هي أن هذا التسجيل والتدوين يقدم إلينا في كثير من الأحيان، بل أكاد أقول في معظم الأحيان، كما لو كان هو ذاته عملا فنيا رفيعا بأحدث معاني الكلمة. وإني لأذكر برنامجا تليفزيونيا ناجحا اشترك في إحدى فقراته واحد من ألمع مثقفينا مع واحد من أخلص المشتغلين بجمع التراث الموسيقي الشعبي، قدموا فيه مغنية ريفية اشتهرت بغنائها في مواسم دينية خاصة، وكانت طريقة التقديم، وما اقترن بها من تمجيد وتفخيم وتعظيم، توحي بأن حدثا فنيا خارقا على وشك الوقوع، ولكن الغناء نفسه، حين بدأ، كان مخيبا للأمل إلى أبعد حد؛ فالصوت خشن فيه البداوة الريفية غير المصقولة، والآلات بدائية ساذجة، والأنغام متكررة لا ابتكار فيها ... كل هذه صفات يمكن أن تكون مستحبة إلى أقصى حد إذا كنا بصدد تسجيل التراث الشعبي لأغراض علمية أو ثقافية؛ لأنها بالفعل جزء من البيئة التي يظهر في ظلها هذا التراث، ولأنها تعبير صادق ومخلص عن طبيعة الجانب الأكبر - الريفي - من شعبنا. أما حين يقدم هذا الغناء على أنه حدث فني له في ذاته قيمته الرفيعة، ولا علاقة له بالتدوين العلمي، فهنا تبدو المفارقة واضحة ومؤسفة.
هكذا يبدو مصير الموسيقى الشعبية في بلادنا، في الآونة الراهنة، معلقا بين اتجاهين: أحدهما يهدف إلى تطويرها، ولكنه يمسخها خلال هذا التطوير إلى حد يستحيل معه التعرف عليها، وآخر يكتفي بتسجيلها كما هي ويعرضها علينا كما لو كانت فيها هي وحدها الكفاية، وكما لو كانت تمثل قيمة فنية ترضي ذوق المستمع المعاصر وحسه الفني. والاتجاهان - كما نرى - متناقضان، وأخشى لو أنني اتخذت منهما ذلك الموقف الوسط المعروف أن يقال إنني ألجأ إلى ما يلجأ إليه الكثيرون تهربا من مسئولية الالتزام بجانب معين أو بحل محدد المعالم. ولكني لا أجد مع ذلك مفرا من أن أقول إن الإنقاذ والإحياء الحقيقي للتراث الموسيقي الشعبي يكمن في موقع ما بين هذين الطرفين، وأن النجاح الحاسم في هذا المجال لن يتم إلا حين ندرك عن وعي أن تدوين الموسيقى الشعبية والاحتفاظ بها شيء، وإعطاءها دورا فعليا في حياتنا الفنية الراهنة شيء آخر، وأن هذا الدور لن يتاح لها إلا إذا ظهر من يستطيع تطويرها على النحو الذي يجعل لها دلالة عالمية من جهة، ويحتفظ لها بمعالمها الأصلية من جهة أخرى.
ومع ذلك، فحتى لو تحقق هذا الهدف - وهو في رأيي لا يحتاج إلى أقل من معجزة فنية - فسيظل السؤال الذي أثرته في بداية هذا المقال قائما، وأعني به: هل سيكون اللحن الشعبي البسيط هو المصدر الفعلي لإلهام ذلك العبقري القادر على تحقيق هذه الغاية، أم أنه مجرد مادة استخدمها وكان يستطيع أن يستخدم غيرها؟ وهل يرجع جمال العمل النهائي إلى ذلك الأصل البسيط الذي بدأ منه، أم أن القدرة على تشييد بناء متكامل، وإيجاد النسب والعلاقات المنسجمة بين أجزائه، وتنسيق مختلف عناصره، هي التي يرتد إليها كل ما في هذا العمل من جمال؟
مستقبل الموسيقى في مصر1
بلادنا تشهد اليوم نهضة فنية لا شك فيها. والمتتبع للجهود التي تبذل في مختلف ميادين الفن يشعر لأول وهلة بذلك التحول الهائل الذي طرأ على حياتنا الفنية، والذي نحاول به أن نعوض ما فاتنا خلال عهود الاستبداد المظلمة، ونلحق بركب الإنسانية في مجال من أشرف مجالاتها.
ولست ممن يزعمون أن تجربتنا الفنية قد نضجت ، وأننا اليوم نستطيع أن نباهي بفننا سائر أمم الأرض، ونعد أنفسنا أندادا لها جميعا، كلا ... فلا زال أمامنا الكثير من الجهد ومن المحاولات التي قد تنجح حينا وتخفق أحيانا. وليس ذلك راجعا إلى قصور طبيعي فينا، أو إلى تفوق فطري في غيرنا، بل هو راجع إلى طبيعة الظروف التي أحاطت بتطورنا، وبتطورهم ... فالعصور الحديثة في أمم الغرب بدأت منذ ما يقرب من خمسمائة عام، والعصور الحديثة في بلادنا الشرقية بدأت منذ ما يقرب من مائة عام، بل لا زال فينا من لم يتجاوز حتى اليوم مرحلة العصور الوسطى في تفكيره وفي نظرته إلى الحياة.
Halaman tidak diketahui