على أنه يمضي في هذه السخرية بأوهام الناس، واستجابتهم لما يكون من دعوة الداعين، وتصديقهم لما يقال لهم من الأقوال، وما يقص عليهم من الحديث، فيقول:
وأعمار الذين مضوا صغارا
كأثواب بلين وما لبسنه
فالأطفال الذين يدركهم الموت قبل أن يرشدوا لا ينشرون ولا يحشرون، ولا يلقون عقابا، ولا ثوابا. أقبلوا على الحياة ولم يريدوها، وأخرجوا من الحياة ولم يستمتعوا بها. أقبلوا من العدم وصاروا إلى العدم، وليس لذلك حكمة معروفة أو علة ظاهرة، هم كالثياب التي تبلى دون أن تلبس، ففيم وجدت، وفيم بليت؟
ثم يقول:
وهان على الفراقد والثريا
شخوص في مضاجعها درسنه
وما حفلت حضار ولا سهيل
بأبشار يمانية يدسنه
سخف إذن كل ما يذاع في الناس فيصدقونه، ويطمئنون إليه من أخبار الكواكب والنجوم فيما بينها، ومن عناية الكواكب والنجوم بالناس، ورعايتها لهم، وتأثيرها فيهم بالخير مرة وبالشر مرة أخرى. فالكواكب والنجوم لا تحفل بنا، ولا بما يعرض لنا من الحوادث والخطوب. ومن يدري لعلها لا تحفل بنفسها، أو لعلها لا تشعر بنفسها! وإذن فالناس يستجيبون للأوهام، ويؤمنون بالسخف حين يصدقون ما يقص عليهم، ويذاع فيهم من أمر الكواكب والنجوم. مصدر ذلك ضعف عقولهم من جهة، وتعلقهم بالكبرياء والغرور من جهة أخرى. يرون أنفسهم شيئا، وليسوا في حقيقة الأمر شيئا.
Halaman tidak diketahui